في داخل كلٍ منا ديكتاتور يخاف التخلي عن كرسيه ومكتسباته...
كُتبت في 13/08/2020
في البداية وقبل الدخول بالموضوع خلوني أحكي عن مغالطتين منطقيتين مهمتين (إن لم يكونا الأهم) مشان يكونو أساس للكلام تبعي لاحقًا...
في مغالطة منطقية اسمها مغالطة التوسل بالمجهول/ بالجهل Appeal to ignorance وهيي أنو نقدم جواب بلا دليل اعتمادًا على عدم وجود جواب مثبت.. يعني إذا في سؤال انطرح وما عليه جواب فمرتكب هي المغالطة بحس أنو بحقلو أنو يعطي أي جواب دون دليل.. يرتبط بهي المغالطة مغالطة تانية تعتبر أختها الشقيقة ويتم أحيانًا اعتبارهم مغالطة واحدة واسمها مغالطة عبء الإثبات Burden of Proof وفيها يقوم الشخص المدعي بتحويل عبء الإثبات على الشخص الذي يطلب منه الدليل بعبارة (أثبت أن كلامي غلط أو أنت لا تستطيع أن تثبت أن كلامي غلط) مع أن الدليل على المدعي فلا أحد يستطيع أن يقدم دليل على ما هو مبني دون دليل لأن نفي الدليل يحتاج وجود الدليل المطلوب نفيه.. مثال: إذا أنا ادعيت وجود تنين وردي اللون في مجرة أندروميدا وقلت لأي أحد أثبت أن كلامي خطأ لن يستطيع (في الوقت الحاضر على الأقل) مع أنه في الحقيقة أنا من عليه أن يقدم الدليل على وجود ما أدعيه.. لذا فالأصل في الأشياء عدم الوجود حتى يتم إثبات العكس وليس الوجود حتى يتم إثبات العكس، يا أما نستطيع افتراض عدد لا نهائي من الافتراضات دون وجود دليل.. ولا يهم عدد من يؤمن بالفرضية غبر المدعمة بالدليل ولا يؤثر عدد المقتنعين بها على صحتها.. فالحقيقة والصحة لا تخضع للديمقراطية وعدد الأصوات فهي إن كانت كذبة فستبقى كذبة ولو آمن بها سبع مليارات إنسان وإن كانت صحيحة ستبقى صحيحة ولو لم يعرفها أي شخص...
خلصنا من اللي فوق؟ مستوعبينو تمام وموافقين عليه؟ اسمه مني اقرأهم مزبوط لأنو رح ذكرك فيهم بعدين! طيب تمام بننتقل للموضوع الأساسي...
الإنسان ككائن عاقل ومنذ بداية ثورته الإدراكية بدأ بالتساؤل عن ماهية وجوده والتي لم يقبل بأي شكل من الأشكال (حتى وقت معاصر جدًا) أن تكون خاضعة للمسار الطبيعي دون أن يكون وجوده لسبب أو هدف، وما زاد الطين بلة أن تفرد الإنسان بالإدراك والتصرف العاقل أعطاه الشعور بأنه محور الكوكب والكون من الناحية المادية واللامادية..
من الناحية المادية كانت باعتقاده أنه جنس أسمى من باقي الأجناس والأنواع وأن الكوكب والكون وباقي الأنواع وجدت من أجله ولخدمته.. وهي النقطة حكيت عنها عدة مرات...
النقطة المهمة حاليًا هيي اعتقادو أنو محور الكون من الناحية اللامادية.. فالإنسان يحقق الكثير من المكاسب في حياته كمكاسب مادية ومعنوية ونفسية وشخصية وذكريات ومشاعر ومعارف ومعلومات وغيرها.. ولأن بداخل كلٍ منا ديكتاتور لا يقبل التخلي عن كرسيه ومكتسباته فقد وجد الإنسان من الأزل فكرة (أن لا شيء بعد الموت وأنه مجرد عدم وأن كل هذه الذكريات والأفراح والأعمال والآلام وغيرها ستختفي بمجرد موت دماغك بشكل كامل) هي فكرة قاسية لا يستطيع تقبلها تمامًا كما أي ديكتاتور لا يستطيع تخيل خسارة كل ما يملك من سلطة ومال، لذا بدأ باختلاق أفكار إيمانية اعتقادية (لا دليل عليها أبدًا وإن كنت تظن أن رأي عدد من الناس دليل أو أن على الآخر نفي وجودها راجع الفقرة الأولى حول المغالطات لأنه على ما يبدو أنك تجاوزتها أو لم تستوعبها)...
هذه الأفكار باستحالة عدم وجود شيء بعد الموت تضمنت اعتقاد البعض بقدرته على أخذ حتى كنوزه المادية ولذا نجد العديد من المقابر القديمة تتضمن كنوز أو مقتنيات الأموات الشخصية.. موضوع الاحتفاظ بالأشياء المادية تبين سذاجته مع التقدم الفكري للإنسان والذي اكتفى بموضوع الاحتفاظ بالذكريات والأعمال الجيدة والسيئة وغيرها وربطها بمبدأ هو الآخر قديم يسمى الروح والذي كان تعريفًا للجانب غير العضوي من الإنسان، فالإنسان القديم لم يكن لديه القدرة على فهم موضوع الجهاز العصبي وقوة الحياة والسيالة العصبية والفرق الكائن الحي والجماد والعوامل النفسية والنوازع المرتبطة بالأنا وأنا العليا والهو وغيرها ويسمي كلللل هذا الروح.. تطور الإنسان وتطورت معارفه وبقيت هذه المعتقدات بسبب جعلها مقدسة غير خاضعة للتقييم مع أنها في الأساس تعود إلى ما قبل التقديس والأديان... والمثير أنه تم إسقاط العديد من الأفكار الأخرى أهم منها فقد تم إسقاط منظومات دينية كاملة لكن نسخ هذه الأفكار إلى معتقدات جديدة حافظ على استمراريتها بالرغم من عدم وجود أدنى دليل علمي أو منطقي عليها...
الآن ديكتاتورية الإنسان في عدم قبوله أن وجوده بكل ما يعنيه سينتهي إلى العدم انقسم إلى قسمين:
القسم الأول لا يقبل فكرة العدم نهائيًا، فهو حتى لا يقبل أن الإنسان أتى من اللا شيء بل يعتقد أنه كان شيء أو كيان لا مادي (باختلاف الفرضيات المطروحة) ينتظر الولادة المادية وبعد موت الجسد المادي يتحول إلى كيان لا مادي مجددًا.. ولا يقبل الانتهاء إلى اللا شيء.. حيث اعتمد شعوره بأنه مركز الكون وأنه جنس متفوق ليبرر استحالة الوجود من العدم واستخدم ديكتاتورية رفض خسارة المكاسب ليبرر أنه سيبقى شيء بعد الموت...
القسم الثاني كان أكثر منطقية بقليل وقَبِل فكرة أن الإنسان وُجد من لا شيء ولكنه رفض فكرة أنه سينتهي إلى لا شيء بسبب هذه الديكتاتورية.. مع أن فكرة الانتهاء إلى لا شيء شبيهة تمامًا بفكرة الوجود من لا شيء... وهؤلاء الأشخاص تجدهم من مختلف المشارب والمعتقدات والأفكار (والدليل في پوست السؤال السابق الذي ستجد فيه العديد من الأشخاص من مختلف المعتقدات لا يجدون مشكلة أن الإنسان كان لا شيء قبل الولادة.. ولكن العديد منهم أيضًا يرفض فكرة أنه سيكون لا شيء بعد الموت)...
في الحقيقة العديد من الأشخاص تأثروا بديكتاتورية الأوائل الذين اختلقوا هذه الأفكار وأورثوهم إياها وهم قبلوها دون التفكير الصحيح بها.. ولكن بعد التفكير هل ستمنعك ديكتاتوريتك من قبول الموضوع أو ستجد في أفكارٍ لا دليل منطقي أو علمي عليها شيء طوق النجاة لك وشيئًا مريحًا لديكتاتورية رفض الخسائر لديك...
طيب إذا أصرينا على وجود شيء بعد الموت فلماذا تعتقد أن السيناريو الذي في رأسك هو الصحيح رغم أن لا دليل علمي أو منطقي عليه.. لا تجاوبني (فقط اقرأ مثال التنين الوردي في المقطع الأول وستعرف أن الدليل على ما في رأسك يساوي قوة الدليل على ما في رأس غيرك حول سيناريو الوجود ما بعد الموت عندهم يساوي قوة الدليل على وجوز التنين الوردي)...
انسى كل ما ذكر أعلاه فهو مزعج ودعنا نفكر بشكل سهل ومريح ومُرضي.. نعم الإنسان كائن لا مادي انتظر مليارات السنوات في هذا الكون لريثما تم تصميم الكون والكوكب وباقي الكائنات لخدمته ومن ثم جاء ليبدأ ولادته المادية لمدة 60-80 سنة جمع فيها بعض المعلومات والتصرفات ومن ثم سيموت متحررًا من عبئه المادي ويطوف مليارات السنوات الأخرى بشكله اللامادي محتفظًا بذكرياته وأعماله إلى الأبد... سيناريو لطيف...
......
حول رأيي بوجود الإنسان.
حول ادعاء إذا كنا هيك معناها شو نفع الحياة.
Comments
Post a Comment