الحياة أكثر عشوائية مما قد يمكن للإنسان أن يتخيله...

 


كُتبت في: 26/06/2019

رفض عشوائبة الحياة يعتبر رفض لجزء كبير من الواقع. شغف الإنسان بالشعور بأهميتو ومركزيتو جعلو غير قادر على تقبل هي الحقيقة.. بالنسبة لمعظم البشر كل شيء يحدث بهالكون يحدث بسبب شيء محدد ولهدف وغاية محددة، وهاد بخلي البشر تفني طاقاتها على إيجاد هاد السبب وتوقّع هاد الهدف وبسبب هالثنائية السببية-الغائية نتجت كتير قرارات وفلسفات ومعتقدات خاطئة، كلها تتمحور حول فكرة إيجاد سبب حدوث الشيء والهدف من حدوثو.. كتير من هالفلسفات حاولت تجاوب عن هالسؤالين واصطدمت بالنهاية بحقيقة عدم وجود جواب لكتير حالات والسبب الرئيسي أنو ممكن هالسؤالين من أساسهم غلط، وطبعًا عطول ينتهي البحث بإحدى العبارتين اللي هني هروب من الجواب وما بقدمو للحقيقة أي شي (حدث بفعل مدروس من قبل شيء ما لكن علمنا لا يحيط به، وحدث لغاية ما كمان علمنا لا يحيط بها المهم لازم تقتنع أنو ما في شي بيصير هيك عشوائيًا)..

للأسف هاد الكلام خاطئ، فعشوائية المسبب ولا هدفية الغاية هني مفهومين أساسيين لكتير حقائق، في كتير شغلات بتصير كنواتج جانبية لأي عملية بنسميها نواتج ثانوية By-products ما في ألها تأثير على المكونات الرئيسية الداخلة ولا المكونات الرئيسية الناتجة ولا حتى المكونات الرئيسية البينية والوسيطة اللي ألها تأثير عالتفاعل، هيي ببساطة نواتج جانبية لتحول هي المواد الداخلة لمواد خارجة يعني "فرق عملة" نتج عن عملية استبدال شي بشي.. متل تسخينك لأبريق شاي أو متة على الحطب المكونات الرئيسية الداخلة هيي الأبريق والمي والحطب والنار، و المكونات الرئيسية الناتجة هيي المي السخنة والفحم، والمكونات الرئيسية البينية الوسيطة هيي الحرارة الناتجة عن حرق الحطب ومقدمة للمي.. أما الشحوار اللي بيعلق على الأبريق أو البخار اللي بيطلع منو او يمكن النملة اللي ماتت لأنها كانت عالحطب اللي شعلتو هدول ما كانوا الهدف من العملية ولا صار معهم هيك لغاية ما، ببساطة هني إما نواتج ثانوية By-products عن هالعملية أو اللي صار معهم صار لتوافق زمكاني عشوائي سبب وجودهم في مكان وزمان حدوث هي العملية..

وهيك نحنا، كتير ممكن يكون وجودنا ووجود كوكبنا وجنسنا كلو By-products لعملية كونية كبيرة آخر همها مين نحنا وشو عم يصير معنا وهاد منطقي لأنو مقارنة بالكون نحنا أصعر بكتييييييييييير من هالنملة اللي احترقت بسبب تسخين الأبريق...

شعور العشوائية واللاهدفية قد يكون جارح لمشاعر كتار بل حتى لمعتقدات كتار بس الحقيقة بتضل حقيقة.. إذا شخص رسب أو صار معو حادث أو صار معو أي شي صدقني مو بالضروري يكون صار هالشي لغاية ما أو لحكمة ما، ممكن ببساطة صار بسبب عشوائي ومن دون أي غاية لاحقة.. ممكن كتير يكون اللي صار معك هوي فرق عملة By-products لعملية ما أنت كنت موجود فيها لمجرد توافق زمكاني عشوائي.. سهل كتير تعمل تلاعب ذهني عالموضوع وبعد فترة تلاقي أنك استفدت بطريقة ما من اللي صار لأنو بالنهاية ما في شي سيء بشكل مطلق أو جيد بشكل مطلق، الموضوع بيعتمد كيف بتنظر ألو ومن أي جهة بس ممكن هالشي اللي أنت شايفو أنو عطاك مكاسب لأنو صار بهالشكل ممكن تكون مكاسبو أكتر إذا صار بالشكل التاني أو إذا ما صار بنوب..

حلو التفاؤل كنوع من مسكنات الآلام لحل شعور لحظي بس ما بحياتها كانت مسكنات الآلام بتحل محل الدوا.. الاقتناع بعشوائية المسبب ولا هدفية الغاية بتخلي الإنسان يعرف حجمو صح ويعرف يتعامل مع اللي عم يصير صح، لأنو كل ما زاد الاعتماد على المجهول بتفسير حياتنا كل ما زاد انفصالنا عن الواقع.. 

وهاد ما بيعني الاستسلام لأنو مو ضروري أنت تكون مركز هالعملية أو ناتج رئيسي لحتى تهتم بشو عم يصير معك، ببساطة هي المواد الثانوية صحيح هيي ثانوية للعملية الكبيرة اللي نتجت عنها ولكنها رئيسية لعمليات أخرى هيي اللي بتتحكم بحدوثها وبما أنو نتجنا ثانويًا وعشوائيًا عن تفاعل كبير ورح ندخل رئيسيًا بتفاعلات كبيرة فمن المهم جدًا تقبل عشوائية ولا هدفية التفاعل اللي نتجنا عنو أو اللي أثر فينا بطريقة ما ونركز بسببية وهدفية التفاعلات الصغيرة اللي فينا نقررها لأنو نحنا مكوناتها الرئيسة.

Comments

أكثر المقالات قراءة:

قراءة في "معجزة خلق الجنين" ما بين السردية الإسلامية وكتاب غالين

أصل الحياة (التولد الذاتي)، ودراسة جديدة لردم جزء من هذه الفجوة

الفرق بين الحجة والادعاء والدليل، وما هي أنواع الدليل

هل يمكن نفي ما لا دليل عليه؟ إثبات الادعاء السلبي المبهم Proving a Negative

ما بين رهان باسكال ورهان أوريليوس يتم التفريق بين التاجر والإنسان.. بين الإيمان والأخلاق