هل يمكن نفي ما لا دليل عليه؟ إثبات الادعاء السلبي المبهم Proving a Negative

 



كُتبت في 20/01/2022


كثيرًا ما نسمع في النقاشات ادعاءات غَيبية لا دليل عليها سواء لوجود شيء ما أو حدوث أشياء ما، وعندما يطلب المحاور الآخر من الشخص صاحب الادعاء إثبات ادعاءه يلجأ صاحب الادعاء إلى الطلب من المحاور الآخر إثبات عدم صحة ادعائه. كأن يدعي أحدهم وجود الجن أو الأشباح وعند طلب الدليل على ادعائه يجيب بأنك لا تستطيع إثبات عدم وجودهم..


في الأحوال العادية نكتفي بإجابة الشخص بأنه يرتكب مغالطة تحويل عبء الإثبات Shifting the burden of proof والتي يقوم فيها صاحب الادعاء بتحويل عبء تقديم الدليل على الآخر على الرغم من أن البينة على من ادعى؛ وكذلك ارتكاب مغالطة التوسل بالجهل Appeal to ignorance والتي فيها يعتمد شخص ما على جهلنا بكيفية حدوث شيء ما فيسمح لنفسه بتقديم طرح لا دليل عليه بحجة "أنه على الأقل يملك جواب بينما الآخر لا يملك جواب" وكأن الحل هو امتلاك جواب دون دليل!


ولكن وبعيدًا عن المغالطات المنطقية دعونا نتسآءل: لماذا لا يمكننا نفي ما لا دليل عليه أو ما يسمى بإثبات الادعاء السلبي؟

في البداية دعونا نميز الفرق بين الادعاء الإيجابي Positive Claim والادعاء السلبي Negative Claim..


الادعاء الإيجابي Affirmative/Positive Claim:

هو الادعاء بوجود شي ما أو حدوث شيء ما أو تحقق شيء ما أو أن شيء ما سبب لشيء آخر، إلخ... كأن ندعي وجود منزل محترق، أو حدوث حريق في المنزل، أو أن ماس كهربائي هو سبب هذا الاحتراق وهكذا. وهنا ببساطة يجب تقديم دليل على هذا الادعاء كأن تبين وجود ماس كهربائي وارتباط سببي بينه وبين الحريق. فالدليل على وجود شيء ما يكون إما بالتدليل على وجود الشيء أو الحاجة المحددة لوجوده وفق المعطيات (وهنا يكون الدليل نظريًا) أو وجود ارتباط سببي بين السبب والنتيجة. وتختلف طرق البرهان والدليل المقدم حسب نوعه وقوته كما وضحت في مقال سابق، وكذلك يجب التفريق بين وجود الارتباط وبين سببية العلاقة كما وضحت في مقال سابق. وهنا يكون نفي هذا الادعاء بإثبات خطأ الأدلة المقدمة.


الادعاء السلبي Negative Claim:

وهنا يوجد نوعين للادعاء السلبي:

النوع الأول (الادعاء السلبي المحدد): الادعاء السلبي هو عكس الادعاء الإيجابي، وهو الادعاء بعدم وجود شيء أو استبعاد شيء ما. كالقول بعدم وجود حريق أو عدم وجود تنانين أو عدم وجود الحصان وحيد القرن (اليوني كورن).

وهنا لدينا حالتين:

  • ما ننفيه أو ندعي عدم وجوده قدم من يدعيه دليلًا عليه، وهنا ببساطة نرد على هذا الدليل، كما ذكرنا أعلاه، كأن يقول أحدهم بوجود حريق في المنزل المقابل وهنا قدم الدليل بتحديد مكان المنزل وأن الاحتراق احتراق واقعي وليس وهمي أو روحاني أو ميتافيزيقي (ادعاء إيجابي) وتدعي أنت بعدم وجود حريق (ادعاء سلبي) ويكون إثبات ادعاءك بأن نذهب للمنزل والتأكد منه.
  • ما ننفيه أو ندعي عدم وجوده محدد الصفات والحالة محددة الظروف، وهنا قد يكون من الممكن نفيه اعتمادًا على هذه الصفات وهذه الظروف. كأن يدعي أحدهم وجود فيل في جيبه (ادعاء إيجابي)، وهنا حدد الفيل وهو معروف الحجم والحيز الذي يحتاجه وحدد جيبه وهي معروفة الحجم وبالمقارنة نستطيع أن ندعي عدم وجود الفيل (ادعاء سلبي).


النوع الثاني (الادعاء السلبي المبهم):

الادعاء السلبي المبهم هو ادعاء يصعب إثباته لأن يقدم تنبؤات حول أشياء لا يمكننا عمليًا مراقبتها في وقت محدود. على سبيل المثال، محاولة إثبات الادعاء القائل "لا يوجد أشباح أو جن" يعني محاولة إثبات أنه لا يوجد أشباح ولا جن لا في هذه الغرفة ولا على كوكب الأرض ولا في هذا الكون ولا في كونٍ موازٍ، ناهيك عن أن طبيعة الأشباح والجن غير محددة أساسًا لنعرف كيفية قياسها، وبالتالي فهذا الادعاء لا يمكننا اختباره أبدًا لا من حيث الإمكانيات ولا المكان ولا الآليات ولا غيرها.


ما الخلل المنطقي الذي يرتكبه من يطلب منك برهان ادعاء سلبي مبهم (نفي ما لا دليل عليه)؟

منطقيًا، فإن من يطلب منك إثبات عدم وجود شيء هو يدعي وجوده، يرتكب الإشكاليات المنطقية الآتية:

  • بدايةً، هذا يعني أنه قدم لك ادعاء إيجابي Positive Claim دون دليل (وهذا إشكالية في أسلوب الجدال والمحاورة الذي ذكرته في مقال سابق).
  • عندما رفضت قبول ادعاءه الخالي من الدليل استنكر عليك الرفض.
  • طلب منك تقديم دليل على عدم صحة ادعائه هو (مغالطة تحويل عبء الإثبات Shifting the burden of proof).
  • لم يحدد لك صفات وظروف الشيء الذي يدعيه (مغالطة الغموض/ الالتباس Ambiguity Fallacy).
  • ينتظر عدم قدرتك على إثبات ادعاء سلبي مبهم (نفي ما لا دليل عليه) وهو أساسًا غير مكن كما بينت أعلاه، ليدعي أن عجزك عن إثبات نفي ادعائه هو دليل على صحة ادعائه (مغالطة التوسل بالجهل Appeal to ignorance).


إذًا متى يحق للمدعي أن يقول أن ادعاءه قابل للنقاش ومن ثم الإثبات أو الدحض؟

يحق للمدعي أن يقول أن ادعاءه صالح للادعاء إذا كان ادعاء إيجابي Positive Claim مدعم بالدليل المتمثل بالتدليل على وجود الشيء أو الحاجة المحددة لوجوده وفق المعطيات (وهنا يكون الدليل نظريًا) أو وجود ارتباط سببي بين السبب والنتيجة؛ أو إذا كان ادعاء إيجابي يحدد مواصفات الشيء المدعى وظروفه بحيث يكون بالإمكان نفيه عبر ادعاء سلبي معاكس من النوع الأول.


كيف يستغل المغالطون أسلوب الطلب بإثبات ادعاء سلبي مبهم؟

في النقاشات التي يُقصد فيها إثبات وجود شيء ما بشكل ملزم، ويُقصد هنا بكلمة "ملزم" أن إثبات وجود هذا الشيء يترتب عليه إلزامات وتفسيرات يجب اعتمادها، كأن تدعي أن سبب احتراق منزل هو الجن أو سبب مرض ما هو الجن، فإثبات هذا الشيء يلزم منه التسليم بنتائجه، أو كمثال آخر فإن التسليم بإله دين ما مثلًا يستلزم منه اتباع هذا الإله وهذا الدين؛ وفي هذه الحالة فإن هذا الدليل المقدم على هذا الإثبات يجب أن يكون قويًا ليعادل قيمة الإلزام المترتبة عليه. وهنا لا يجب أن نكتفي بإثبات أن شيئًا ما ممكن الحدوث أو الوجود، بل ويجب تحديد نوعية هذا الإمكان، بل وإن كان ملزمًا يجب الانتقال من إثبات إمكانية تحققه إلى إثبات تحققه فعلًا أي الانتقال من الدليل المنطقي إلى الدليل العلمي كما وضحت في المقال السابق حيث أن الدليل المنطقي يقدم شرط التبرير Justification بينما الدليل العلمي يقدم شرطي التبرير Justification والتحقق Truth.


وبالعودة إلى أنواع الإمكانات الشرطية Subjunctive Possibilities نجد عدة أنواع:

  • الإمكان المنطقي (العقلي/الفلسفي) Logical possibility: وهو أعم أنواع الإمكان وبالتالي المنطقة التي تحتوي أغلب الأشياء وبالتالي أقلها إلزامًا، حيث يكفي لبرهان أن شيء ممكن عقليًا (منطقيًا) أن تبرهن أن وجوده لا يخالف قوانين الفكر Laws of thought أو ما يسمى بالـ"ضرورات العقلية"، أو أن عدم وجوده يخالف قوانين الفكر.
  • الإمكان العلمي Nomological (Scientific) possibility: فهو أخص من الإمكان المنطقي (العقلي/الفلسفي) ومتضمن فيه، وهو يعتمد على إمكانية حدوث الشيء من الناحية العلمية أو عدمه تحت قوانين الطبيعة والعلم.
  • الإمكان العملي Practical Possibility: فهو أخص من الإمكان العلمي والإمكان المنطقي (العقلي/الفلسفي) ومتضمن فيهما، وهو يعتمد على إمكانية حدوث الشيء من الناحية العملية أو عدمه تحت الظروف العملية المتوفرة.


مثال على هذا الشيء:

  • صعودي للمريخ حاليًا غير ممكن (ممتنع) عمليًا في الوقت الحالي، بسبب ظروفي والفرص المتاحة لي.
  • صعودي للمريخ حاليًا ممكن (غير ممتنع) علميًا بسبب وجود إمكانية علمية للموضوع، لكن صعودي إليه دون مركبة فضائية غير ممكن (ممتنع) عمليًا، وعمليًا.
  • صعودي للمريخ دون مركبة فضائية ممكن (غير ممتنع) عقليًا (فلسفيًا) فهو لا يتعارض مع الضرورات العقلية، ولكن وجودي موضوعيًا على الأرض وعلى المريخ غير ممكن لأنه يتعارض مع قانون الهوية Law of identity.


وهنا يقوم المغالطون باللعب على الإمكان العقلي الذي لا يفيد الإلزام المساوي لإلزام إثبات الوجود، فضمن هذا النوع من الإمكان يمكن أن نجد أن التنين ممكن الوجود والغولة ممكنة الوجود واليونيكورن ممكن الوجود وضف على هذا عدد لا نهائي من الأشياء. ويزيد المغالطون على هذا بادعائهم أن إمكانية وجود الشيء عقليًا وعدم إمكانية نفي عدم وجوده يجعل من احتمالية وجوده في الواقع الموضوعي مساوية لاحتمالية عدم وجوده، وهذا كلام سخيف فالواقع الموضوعي محكوم بقوانين موضوعية هي قوانين الطبيعة وبالتالي بالإمكانية العلمية وليس العقلية. فتخيل معي أن هذا الادعاء يعني أن احتمال وجود التنين أو الحصان المجنح في الواقع مساوٍ لعدم وجوده.


ماذا لو برهن الشخص الإمكانية العلمية والعملية لحدوث أو وجود شيء ما؟

هذا جيد لبناء الفرضيات ودعم فكرة أن الطرح ممكن وقابل للتصديق ولكن لا يفيد الإلزام، فمثلًا إذا احترق منزل ما وكان هذا المنزل مؤمنًا عليه في شركة تأمين. وقام صاحب المنزل بإثبات إمكانية أن المنزل احترق بفعل ماس كهربائي كإمكانية علمية وعملية وهذا ممكن ففي البيت كهرباء والبيت فيه مواد قابلة للاشتعال فمن الممكن عمليًا وعلميًا أن يحترق بماس كهربائي؛ وقامت شركة التأمين بإثبات إمكانية أن المنزل احترق بفعل فاعل (صاحب المنزل مثلًا) كإمكانية علمية وعملية وهذا ممكن فصاحب المنزل يستطيع حرقه؛ فأي من هاتين الإمكانيتين هو الملزم. عمليًا الملزم منهما هي الحجة المدعمة بدليل علمي على تحقق الشيء وليس دليل منطقي وليس تدليل على الإمكانية.

لذا فمن غير المنطقي أن تترتب أي التزامات عملية على ما لا يمكن إثبات تحققه، فمثلًا إذا كان أحد ما يحاجج بوجود حياة ما بعد الموت وأن الإيمان بها يترتب عليه الحساب، فهنا يجب على صاحب الادعاء أن يثبت كلامه، فإن قال أنه لا يمكن إثباته علميًا ولا منطقيًا وطلب من الآخر نفي وجود حياة ما بعد الموت فهذا خطأ منطقي كما وضحت، وإذا افترضنا جدلًا أنه يمكن إثباته منطقيًا ولكن لا يمكن إثباته علميًا فهو يفيد إمكانية تصديق الشيء لكنه غير ملزم ومن غير العدل أن يترتب على من لا يؤمن بوجودها أي شيء، فالتنين ممكن منطقيًا ولا يترتب على وجوده تناقض لكن لا يحق لأحد أن يلزم أحد بأي شيء إن لم يؤمن بوجوده أو أنكره بما أنه غير مثبت علميًا وواقعيًا.


الخاتمة:

إذًا ففي حال قدمت ادعاء، حاول أن يكون إيجابيًا مدعمًا بدليل علمي، ما لم تستطع تقديم دليل علمي قدم دليل منطقي لكن تذكر أنك هنا انتقلت من إثبات التحقق إلى إثبات إمكانية التحقق.


قصة لطيفة "التنين في مرآبي The Dragon In My Garage":

المحتوى القادم لكارل سيجان Carl Sagan عالم فلك أمريكي وكاتب وصاحب سلسلة "الكون: رحلة شخصية Cosmos: A Personal Voyage-1980"؛ ومأخوذ من فصل "التنين في مرآبي الكون: رحلة شخصية The Dragon In My Garage" من كتاب سيجان: "العالم المسكون بالشياطين: العلم كالشمعة في الظلام The Demon-Haunted World: Science as a Candle in the Dark".


"تنينة تنفث النار تعيش في مرآبي"

لنفترض إنني أتبع نهج العلاج الجماعي المطروح group therapy approach من قبل عالم النفس ريتشارد فرانكلين Richard Franklin، لاحظ كيف سأطبقه.

كانت هناك قصص لا حصر لها عن التنانين على مر القرون، لكن لا يوجد دليل حقيقي. يا لها من فرصة لاختبار هذه الآلية!

سأدعي وجود تنينة تنفث النار تعيش في مرآبي، أنت تقول "أرني". أقودك إلى مرآبي، تنظر إلى الداخل وترى سلمًا، وعلب طلاء فارغة، ودراجة ثلاثية العجلات قديمة - لكن لا يوجد تنينة.

"أين التنينة؟" أنت تسأل.

"أوه، إنها هنا،" أجيبك، وألوح بغموض".. "لقد أهملت أن أذكر أنها تنينة غير مرئية!".

تفكر قليلًا وتقترح ذر (نشر) الطحين على أرضية المرآب لرؤية آثار أقدام التنينة عندما تمشي عليه.

"فكرة جيدة" أقول ، "لكن للأسف هذا لن يفيد فهذا التنين يطفو في الهواء!".

ثم ستقترح استخدام مستشعر الأشعة تحت الحمراء لاكتشاف اللهب غير المرئي الذي تنفسه التنينة.

أجيبك "فكرة جيدة، ولكن النار غير المرئية هي أيضًا عديمة الحرارة!"

ستقترح رش التنينة بالطلاء كي تصبح مرئية.

سأعترض وأقول لك "فكرة جيدة، لكنها تنينة غير مألوفة والطلاء لن يلتصق." وما إلى ذلك وهلم جرا.

أي اختبار جسدي ستقترحه سأعطيك سبب يمنعك من تطبيقه مع شرح خاص لسبب عدم نجاحه.

الآن وبعد أن تستنفذ طرقك في التحقق، أحب أن أسألك: ما الفرق بين التنين غير المرئي، غير المادي، العائم الذي يبصق نارًا بلا حرارة وبين لا تنين على الإطلاق؟

إذا لم تكن هناك طريقة للتحقق من ادعائي، ولا توجد تجربة يمكن تصورها من شأنها أن تثبت أو تنفي، فماذا يعني أن أقول إن تنيني موجود؟

إن عدم قدرتك على إبطال فرضيتي لا يماثل على الإطلاق إثبات صحتها. الادعاءات التي لا يمكن اختبارها، والتأكيدات المحصنة ضد عدم إثباتها لا قيمة لها على الإطلاق، مهما كانت قيمتها في إلهامنا أو إثارة إحساسنا بالتعجب. إن فعلت هذا دون تقديم دليل وطلبت منك تصديق ادعائي، ففي الحقيقة فكل ما أطلبه منك هو الاعتقاد والإيمان بما أقول لا أكثر ولا أقل.

الشيء الوحيد الذي تعلمته حقًا من إصراري على وجود تنينة في مرآبي هو أنه شيئًا مضحكًا يحدث داخل رأسي. قد تتساءل، إذا لم يتم تطبيق اختبارات جسدية، فما الذي أقنعني. من المؤكد أنه سيخطر في بالك احتمال أن يكون هذا مجرد حلم أو هلوسة في رأسي. ولكن بعد ذلك، لماذا آخذ الأمر على محمل الجد؟ ربما أحتاج إلى مساعدة.

لكن إن أردت أن تكون "منفتح الذهن" بطريقة حذرة، فقد لا ترفض تمامًا فكرة وجود تنينة تنفث النيران في مرآبي. في الحقيقة كل ما قد تفعله هو وضع ادعائي في غرفة الانتظار فلربما تحقق لاحقًا. الأدلة الحالية تعارض ادعائي بشدة، ولكن إذا ظهرت مجموعة جديدة من البيانات، فأنت على استعداد لفحصها ومعرفة ما إذا كانت تقنعك. بالتأكيد ليس من العدل أن أشعر بالإهانة بسبب عدم تصديقك لادعائاتي التي لا دليل عليها؛ أو أن أنتقدك بحجة أنك مبتذل وغير مبدع - لمجرد أنك أصدرت حكمك بأن ادعائي "غير مثبت" لأنه فعلًا غير مثبت. تخيل أن الأمور سارت على خلاف السيناريو السابق. التنين غير مرئي، حسنًا، لكن آثار الأقدام تُصنع في الدقيق وأنت تشاهد. يسجل كاشف الأشعة تحت الحمراء إشارات، أو أن يكشف رذاذ الطلاء عن قمة خشنة تتمايل في الهواء أمامك. بغض النظر عن مدى شكوكك بشأن وجود التنانين - ناهيك عن التنانين غير المرئية - يجب أن تقر الآن بوجود شيء ما هنا، وأنه بشكل مبدئي يتوافق مع وصفي لتنين غير مرئي ينفث النار.

الآن سيناريو آخر: لنفترض أنه ليس أنا فقط. افترض أن العديد من الأشخاص الذين تعرفهم، بما في ذلك الأشخاص الذين أنت متأكد تمامًا من أنهم لا يعرفون بعضهم البعض، يخبرونك جميعًا أن لديهم تنانين في مرآبهم - ولكن في كل حالة يكون الدليل بعيد المنال إلى حد الجنون؛ هل هذا يكفي لإثباته؟

نعترف جميعًا بأننا سننزعج إذا وقعنا في معضلة تقديم إدعاءات غريبة جدًا لا تدعمها الأدلة المادية. لا أحد منا مجنون. نحن نتكهن بما قد يعنيه إذا كانت التنانين غير المرئية تختبئ حقًا في المرائب في جميع أنحاء العالم. 

ماذا لو تم الإبلاغ الآن عن بعض آثار أقدام بحجم التنين في الدقيق. لكنها لا تظهر أبدًا عندما ينظر إليها المشكك بها. وعند الفحص الدقيق، يبدو من الواضح أن آثار الأقدام قد تكون مزيفة. أو أن يظهر متحمس لتنين آخر بإصبع محترق ويعزو ذلك إلى أن الحرق بسبب تأثير مادي لنفَس التنين الناري. لكن مرة أخرى، توجد احتمالات أخرى فهو لا يدعم ادعاءه إلا بكلام لا دليل عليه؛ فنحن نفهم أن هناك طرقًا أخرى لحرق الأصابع بالإضافة إلى "أنفاس التنانين غير المرئية". مثل هذه "الأدلة" - بغض النظر عن مدى أهميتها في نظر أنصار التنانين - ليست مقنعة على الإطلاق. 

مرة أخرى، فإن الأسلوب المعقول الوحيد هو رفض فرضية التنين مبدئيًا، والانفتاح على البيانات المادية المستقبلية، والتساؤل عن السبب الذي قد يكون السبب في أن العديد من الأشخاص العقلاء والرصينين قد يتشاركون في نفس الوهم الغريب حول هذا التنين.


بعض المقالات للإطلاع:

Comments

أكثر المقالات قراءة:

قراءة في "معجزة خلق الجنين" ما بين السردية الإسلامية وكتاب غالين

أصل الحياة (التولد الذاتي)، ودراسة جديدة لردم جزء من هذه الفجوة

الفرق بين الحجة والادعاء والدليل، وما هي أنواع الدليل

ما بين رهان باسكال ورهان أوريليوس يتم التفريق بين التاجر والإنسان.. بين الإيمان والأخلاق