الإنسان بين نيوتن ودالمبير
كُتبت في: 09/07/2019
في أي تجربة علمية لا تعتبر الجملة المدروسة الشيء المهم الوحيد بل هي أحد الأشياء المهمة التي تؤخذ بعين الاعتبار حتى لو كانت كل التجربة تدور حولها، فتحديد جملة المقارنة مهم جدًا قبل نعت هذه الجملة بأي صفة، فالنسبية تحكم الصفات ومن غير الممكن أن تصف شيء بأنه كبير أو صغير أو معقد أو بسيط أو مهم أو تافه أو أي صفة أخرى دون تحديد جملة المقارنة، فالذبابة صغيرة بالنسبة للإنسان ولكن كبيرة بالنسبة للبكتيريا، ولعبة سوبر ماريو أكثر تعقيدًا من لعبة سوليتير ولكن أقل تعقيدًا من لعبة GTA مثلًا وعلى هذا قِس...
وبالإضافة لجملة الدراسة وجملة المقارنة في كمان عامل تالت مهم من بين العوامل الكتيرة الأخرى واللي هوي عامل حدود الجملة واللي بسموه الإطار المرجعي the frame of reference وحدود الوسط المحيط فيها يعني هي الجملة من وين عم تنظر إليها وهون في شخصين مهمين ناقشوا الموضوع هني الإنكليزي اسحق نيوتن Isaac Newton والفرنسي جين لورن دالمبير Jean le Rond d'Alembert؛ فبينما نيوتن بقانون الثاني للحركة Newton's second law of motion يتبنى نظرة المراقب الخارجي اللي فيها بكون الإطار المرجعي داخلي، دالمبير بيتبنى نظرة المراقب الداخلي اللي فيها بكون الإطار المرجعي خارجي، كيف يعني؟
ببساطة تخيل حالك بسيارة، حسب نيوتن في مراقب خارجي عم يتطلع عليك بحيث أنو الإطار المرجعي للجملة واللي هوي حدود السيارة داخل منظارو لهاد المراقب اللي هوي موجود خارجو بالتالي لما بكون عم يتطلع عليك بتكون أنت عم تتحرك بسرعة مساوية لسرعة حركة الإطار واللي هوي السيارة مقارنة بجمل مقارنة حول السيارة أي خارجها. بينما حسب دلامبير فيوجد مراقب داخلي موجود داخل السيارة عم يتطلع عليك بحيث أنو الإطار المرجعي للجملة واللي هوي حدود السيارة خارجي بالنسبة لهاد المراقب اللي هوي موجود داخلها بالتالي بالنسبة لهاد المراقب أنت والإطار على طول على نفس المسافة منو ومن جمل المقارنة الموجودة داخل الإطار المرجعي (السيارة) يعني ثابتين ما عم تتحركوا لأنو بالحقيقة هوي عم يتحرك معكم بنفس السرعة لأنو الكل ضمن نفس الإطار.. يعني نفس الجملة ونفس الأشخاص ونفس القوى المؤثرة تعتبر متحركة بالنسبة لمراقب خارجي نيوتن وثابتة بالنسبة لمراقب داخلي دالمبير والتنين صح!
بعد هالمقدمة الغليظة برجع للمقالين اللي نزلتهم حول حجم الإنسان والكون وحول عشوائية الحياة. كتار استغربوا وفي أشخاص انزعجت وتم اتهامي بالخشبية والحجرية ومحاربة فكرة الإنسانية والإبداع وعدم وجود نظرة فلسفية إلخ ومن هاد الحكي اللطيف اللي أنا ما عندي مشكلة فيه وما كتير بهمني لأنو ببساطة أي حدا عم يطرح تساؤل عم رد وبشكل مفصل، وحتى على هاد الكلام رح رد..
أولا الكلام بالمقالين السابقين كان عن مقصودية السبب وهدفية الغاية من وجود الإنسان يعني نقطة البداية والنهاية بدون التطرق للي عم يصير بالنص بين النقطتين واللي فيه بيصير إبداع الإنسان واختيارو لمصيرو وأهدافو من هالحياة والناتج الإنساني والفكري والحياتي اللي بقدمو لمحيطو؛ يعني كلامي هل هوي تم إيجادو بسبب مقصود أو لا وهل هوي موجود ليعمل شي محدد أو لا، لا يؤثر على فكرة أهمية الإنسان (النسبية) ولا إبداعو بل على العكس تمامًا تعززها، ليش؟
لأنو ببساطة إذا وجد الإنسان بسبب مقصود وبإمكانيات مصممة من البداية فهاد سحب الكريديت والفضل من الجنس البشري لأي نتاج فكري وإدراكي وفلسفي وإبداعي وحياتي حققوه ضمن مسيرتهم التطورية لأنو ببساطة هني تم إيجادهم هيك جاهزين. تانيًا بيقضي على الإبداع اللي ممكن الإنسان يقوم فيه لما ما بحس حالو حر بل مقيد النهاية وكتار منا بيعرفوا كيف في كتير بشر تخلوا عن أحلامهم وأهدافهم سعيًا وراء شي هني اعتقدوا أنو هاد مكتوب ألهم وهوي غاية وجودهم.. يعني ببساطة اعتقادك أنو الإنسان في سبب مقصود لإيجادو بهي الإمكانيات وبهي الطريقة وفي هدف لازم يحققوا من هالوجود بخليك تعتبر الإنسان متل ولد أبوه غني عطاه ثروة من ولادتو وقلوا يا بابا أنت لازم تصير مدير شركة وإياك تصير شي تاني، فهاد الولد ما فيه يفتخر باللي عندو لأنو مو هوي اللي جمعوا ولا فيه يأبدع مستقبلو لأنو في هدف محدد ألو، لذلك حرية الاختيار والإبداع تعتمد بشكل رئيسي على التحرر من عبودية مقصودية السبب وهدفية الغاية..
هلأ بننقل لموضوع أهمية الإنسان، أهمية الإنسان هي شيء نسبي يحدده شروط تقييم هذه الأهمية فإذا أخدنا الإنسان كجملة مدروسة وأخدنا الكون كجملة مقارنة أو نظرنا إلى الإنسان من خارج إطار محيطو (كمراقب نيوتن) فالإنسان تافه وهاد اللي شرحتو بالپوستات السابقة لما شرحت أنو الإنسان هوي مركب ثانوي بالنسبة للتفاعل الكوني لأنو كنت عم ناقش فكرة هل الكون وجد من أجل الإنسان وهل الإنسان موجود بشكل سببي مقصود وغاية هدفيه يعني ناقشتو حسب مراقب نيوتن موجود خارج محيط الإنسان وعم يراقبو ويقارنو بالكون.. أما إذا نظرنا للإنسان حسب دلامبير وأخدنا مراقب داخلي موجود ضمن محيط الإنسان فهون كمان لازم نحدد جمل مقارنة وإطار مرجعي لنقوم بوصف الإنسان، فالإنسان (كجنس بشري) أكثر وعيًا وإدراكًا وتعقيدًا عصبيًا من باقي الكائنات الموجود على الأرض وأكثر قدرة على التعبير ووصف المشاعر وأكثر إبداعًا؛ ولكن أيضًا الأكثر إجرامًا والأكثر تلويثًا والأكثر تدميرًا ويحقق قدر لا بأس به من التطفل.. إذا الإنسان بالنسبة لمحيطه مهم ومعقد بمعنييهم الإيجابي والسلبي ولكن الأهم أنو من الكائنات الوحيدة (المعروفة حتى الآن) التي تمتلك الوعي والإدراك التفاعلي مع الوسط وحرية الإرادة المبنية على هذا الوعي ولكن للأسف يحاول دومًا تقييد هذه الحرية والإبداع برسم مخططات محددة لحياته كنوع من الخوف من فكرة حرية الاختيار؛ ففكرة الحرية المطلقة لوجودك هيي فكرة مخيفة ويصعب على كائن اجتماعي كالإنسان يدور دومًا في فلك الارتباط بشيء ما أن يتقبلها...
بزماناتو في شخص زرع شجرة مشان بس تكبر يقعد هوي وعيلتو تحتها، كبر هاد الشخص وكبرت الشجرة، بعد ما مات أولادو قطعوها وباعوها مشان ينعمل من خشبها مكتبة، اللي اشتراها ترك خشبها فترة طويلة قام عفن جزء منو وما عاد مناسب للمكتبة فقطعوا قطع صغيرة وعمل منو قباقيب.. الشجرة انزرعت مشان تكون جزء من عيلة بعدين مرت بمرحلة كانت رح تكون فيها مكتبة بس انتهت قباقيب، والإنسان هيك، عدم وجود سبب مقصود من وجودو أو هدف محدد منو ليس شيء مهين أو بأثر على حياتو ونهجها ومصيرو النهائي، اللي بحدد مصيرو النهائي الحقيقي هوي اللي بيتحكم بمسار حياتو لذلك من الجيد أنك تخلي عقلك يحدد هل المسار وبحرية وما تكون مرهون لسبب ومصير أنت ما فيك تجزم فيه..
Comments
Post a Comment