الفلسفة العلمية والفلسفلة العقائدية.. شتّان ما بين الاثنين...
في البداية حابب نوه أنو هاد الپوست هو عبارة عن وجهة نظري وتلخيص لقراءاتي حول هالموضوع.. وللإجابة على الطرح الدائم الذي يحدث دائمًا حول علاقة الفلسفة بالعلم والدين...
الفلسفة Philosophy بشكل مختصر جدًا هيي حب الحكمة love of wisdom وهذا هو المعنى الحرفي لكلمة فيلوسوفيا باليوناني... يعني هي أنو لما الإنسان بلش يفكر ويتساءل ويتحول إدراكو من مجرد إدراك مراقبة وملاحظة إلى إدراك فهم وتساؤل بلش شي اسمو "فلسفة"...
كتار ما بيعرفو معنى الفلسفة لأنو ببساطة مفكرين الفلسفة شي واحد.. لهيك بتلاقي العبارات المتناقضة الآتية:
- الفلسفة أساس العلم
- العلم أعلن موت الفلسفة
- الأديان قائمة على الفلسفة
- الأديان غير منطقية بالتالي لا علاقة لها بالفلسفة
- لا يمكن نقاش الأخلاق بالعلم بل بطريقة فلسفية
- الأخلاق ممكن دراستها بشكل علمي
وكتييير عبارات تانية، واللي بالرغم من أنها متناقضة لكنها كلها صحيحية! ليش؟ لأنو الفلسفة مو نوع واحد بل أفرع متعددة متل مو موضح بالصورة...
الفكرة أنو بالرغم من تعدد هي الأفرع إلا أنو من الصعب التمييز بينها من قبل غير المختصين لأنو ببساطة كتير سهل يتم الخلط بين فلسفة الأخلاقيات Ethics Philosophy والفلسفة المثالية Idealism، أو الخلط بين المادية Materialism والواقعية Realism، وكذلك الخلط بين فلسفة اللاهوت Theology وبين الماورائيات Metaphysics (لا حدا يقلي Theology علم اللاهوت لأنها مو علم بل الخلط حدث بسبب خطأ الترجمة العربية للاحقة –Logy واللي حكيت عنها سابقًا بمقال يوضح أنها تعني دراسة وليس علم. وأمثلة الخلط تطول.. ولكن للأسف هاد الخلط ما كان مجرد خلط مصطلحات بل تحول إلى خلط فلسفات ومناهج لذلك فالناس انقسمو ثلاثة أقسام:
- المختصون: أغلبهم وليس جميعهم، يمكنهم التفريق بين أفرع الفلسفة ومناهجها..
- غير المختصين ولكن لديهم قدرة تحليلية جيدة للأمور الفلسفية: أفرع الفلسفة عندهم اندمجت في فرعين فقط...
- غير المختصين وليس لديهم خلفية أو قدرة على تحليل الأمور الفلسفية: وهؤلاء كل هذه الأنواع تسمى عندهم فلسفة...
هذا المقال موجه للقسم الثالث من هؤلاء الأشخاص عبر شرح مفهوم القسم الثاني (أما القسم الأول والذي يشمل الحديث عن كل فرع فيمكنكم التوسع فيه بالقراءة حول كل فرع)...
المهم... بسبب تقارب المفاهيم اندمجت أفرغ الفلسفة ضمن فرعين أساسيين (فرع الفلسفة العلمية القائمة بشكل أساسي على فلسفة المعرفة Epistemology؛ وفرع الفسلفة العقائدية القائمة على كل من اللاهوت Theology والماورائيات Metaphysics)...
فالعلم قائم على منهجية علمية Scientific Approach مشتق بشكل كبير من من نظرية المعرفة أو فلسفة المعرفة Epistemology وتطور طبعًا مع تطور أساليب العلم لحل المعضلات التي تواجهه بأسلوب تصحيحي مستمر حتى نشأت الفلسفات المعرفية الحديثة اللي كتار منا بيعرف أسماء روادها متل ريني ديكارت وإيمانويل كانت وديفيد هيوم وبيرتراند راسل؛ وغيرهم كتير واللي هني من مدراس فلسفية مختلفة بالنسبة للمختصين (القسم الأول) ولكنهم شاركوا ببناء الفسلفة الحديثة والفلسفة العلمية لأنو هي الأفرع اللي اندمج تحت فرع فلسفة المعرفة Epistemology ضمت كتير فلسفات ومدراس متل الفلسفة المعرفية والمادية والواقعية والجمالية والمثالية والعقلانية والتجريبية والشكوكية والبراغماتية الأخلاقية والكونيات والطبيعة وكتير غيرها... واللي شكلت أسس العلم اللي قدر يصيغها ويشرحها ويحطلها أسس علمية منطقية منهجية.. لذلك لا تستغرب أنو شهادة الدكتوراه هيي دكتوراه في الفلسفة لاختصاص ما Doctor of Philosophy (PhD) لأنو اللي رح ياخد دكتوراه رح يكون مناقش فكرة بحثو بطريقة فلسفية علمية لحتى يستحق الشهادة...
هلأ بنجي على القسم التاني وهوي الفروع الفلسفية اللي اندمجت تحت فرع الفسلفة اللاهوتية Theology الماورائية Metaphysics، وهي كمان ضمت كتير أفرع منها أفرع تم دمجها مع الفسلفة العلمية كمان لذلك بهاد النوع من الفلسفة اندمج اللاهوت والماورائيات والغيبيات والأخلاقيات والمنطق وغيرها...
وهاد النوع من الفلسفات يقوم بشكل أساسي على الفسلفة اللاهوتية Theology الماورائية Metaphysics ويؤثر بالتالي على جميع أقسامو.. يعني فلسفة المنطق Logic التابعة للفلسفة العلمية تختلف عن فلسفة المنطق القائمة على الفلسفة الماورائية.. لأنو مثلًا فلسفة المنطق العلمية بتقلك أنو لا يوجد مسلمات تقبل دون برهان وبعد برهان هذه المسلمات يمكن البناء عليها منطقيًا وأن كل ما يخالف المنطق (يحتوي مغالطات منطقية) غير مقبول مهما كان.. أما الفسلفة الماورائية بتقبل مسلمات معينة غير مثبتة (ماورائية لاهوتية) وتبني عليها ولكن تناقش ما يُبنى عليها منطقيًا أي تمنطق البناء وليس الأساس (وأحيانًا ما بتمنطق التنين بل يكون الأساس والبناء مسلّمة لاهوتية ما ورائية)...
عدة أمثلة:
- العلم لا يقبل أن يفرض أي شي مهما كان، دون دليل بالتالي يعتمد قول (لا أعرف) بدل رمي أي جواب مهما كان وهذه الـ(لا أعرف) من أهم أسس الفسلفة العلمية...
- العلم حتى بعد إثبات النظرية يستمر في التشكيك بها ومحاولة نقضها لتحقيق واحدة من ثلاث: إما عدم القدرة على نقضها بالتالي تأكيد ثبوتيتها.. أو كشف خلل فيها بالتالي تحسينها.. أو نقضها بالتالي تصحيح خلل علمي وإحلال بديل أصح عنها...
- أما لاهوتيًا فكمثال مسيحي: ورد نقاش فلسفي لاهوتي هل للمسيح طبيعة واحدة (عدم انفصال الطبيعة البشرية عن الطبيعة الإلهية) أم طبيعتين (بشرية محدودة وإلهية غير محدودة).. وهنا نجد أنه في الطرحين هنالك مسلّمة وهيي (وجود الطبيعة الإلهية) وهذه لا يتم مناقشتها لأنها مسلّمة لاهوتية دون دليل (علمي منطقي) بل دليل (غيبي) وهذا مقبول في الفسلفة اللاهوتية الماورائية وليس مقبول في الفسلفة العلمية...
- مثال ثاني إسلامي: ورد نقاش فلسفي لاهوتي هل القرآن كتاب سماوي (مخلوق) أو كتاب سماوي (أزلي غير مخلوق) أو ما يسمى بمحنة خلق القرآن.. وهنا نجد أنه في الطرحين هنالك مسلّمة وهيي (أن القرآن كتاب سماوي) وهذه لا يتم مناقشتها لأنها مسلّمة لاهوتية دون دليل (علمي منطقي) بل دليل (غيبي) وهذا مجددًا مقبول في الفسلفة اللاهوتية الماورائية وليس مقبول في الفسلفة العلمية...
وهنا وبعد هذه التفاصيل أود إجابة الأسئلة السابقة (المتناقضة الصحيحة):
- الفلسفة أساس العلم (نعم ولكن الفلسفة العلمية المعرفية)
- العلم أعلن موت الفلسفة (نعم أعلن موت الفلسفة اللاهوتية الميتافيزيقية غير القائمة على الدليل العلمي)
- الأديان قائمة على الفلسفة (نعم ولكن الفلسفة اللاهوتية الميتافيزيقية)
- الأديان غير منطقية بالتالي لا علاقة لها بالفلسفة (لا تقوم على منطق اللا مسلّمات ولا علاقة لها بالفلسفة العلمية المعرفية)
- لا يمكن نقاش الأخلاق بالعلم بل بطريقة فلسفية (لا تناقش الأخلاق المطلقة بالعلم لأنها قيم مطلقة لا معايير لها إلا حسب إطارها التطبيقي)
- الأخلاق ممكن دراستها بشكل علمي (صحيح وذلك ضمن إطار تطبيقي زماني مكاني محدد)...
لذلك ومنعًا لتكرار طرح موضوع العلم والفلسفة ضمن كل نقاش، أستطيع تلخيص كل ما سبق بأن الفلسفة العلمية هي فلسفة محاولة إيجاد جواب علمي منطقي صحيح لسؤال موجود وعدم طرح أي جواب عند عدم معرفة الجواب الصحيح... بينما الفلسفة العقائدية هي محاولة إيجاد سؤال لجواب جاهز موجود يناسب توجهها...
.....
تنويه: الپوست هاد عن الفلسفة العلمية أي الفلسفة التي تدخل في منهجية العلم كجزء منه وليس عن فلسفة العلم Philosophy of Science والتي هي إحدى المدارس الفلسفية التي تعتمد العلم كأداة ولكن تتقاطع مع الميتافيزيقيا في عدة نقاط. أي الحديث عن الفلسفة التي يفكر فيها العالم وليس المدرسة التي ينتسب لها ما يسمى "فيلسوف علم".
Comments
Post a Comment