المنهجية العلمية في فكر أبي العلاء المعري
كُتبت في: 17/07/2020
ندخل بالموضوع مباشرة بلا مقدمات مين أبو العلاء المعري وشو كان فكرو لأنو ما بهمني الشخص بل بهمني الطرح تبعو... طبعًا المنهجية العلمية تعتبر من أقدم وأطول الأسس عمرًا وبقاءً يعني كتير من الإيديولوجيات والمعتقدات امتدت لمئات وآلاف السنين ومن ثم سقطت وتحولت لأساطير ومنها اللي ضل ولكن عم يحاول يستمر بشق الأنفس.. لكن المنهجية العلمية بدأت منذ بداية تساؤل الإنسان عن محيطو والأشياء اللي حولو.. قد يكون أول شيء ملموس (حتى الآن) لنص رسمي حول المنهجية العلمية كان عام 1600 قبل الميلاد ضمن نص فرعوني بيشرح المنهج التجريبي للتشخيص الطبي عبر تحديد مراحل من فحص وتشخيص ومعالجة وتحديد سبب المرض لكن السبب هوي صعوبة تدوين وتأريخ هي النصوص أو عدم اهتمام أصحابها بهداك الوقت بالموضوع...
اللطيف أنو المنهجية العلمية تطورت وتم تناقلها عبر العصور والشعوب مرورًا بالمصريين واليونان والعرب ومن كان تحت سيطرتهم إلى الأوروبيين وانتشارها بكل العالم وبغض النظر عن رأي أهل كل عصر بمن اتبع المنهجية العلمية واللي دائمًا كان يصنف على أنو فيلسوف بما كانت تحمله هذه الكلمة من سلبيات وإيجابيات أو زنديق أو مهرطق أو عالم.. كل هاد مو موضوعنا.. موضوعنا اليوم هوي عدة أبيات لأبو العلاء المعري تحمل في كلماتها سمات جميلة من سمات المنهجية العلمية...
السمة الأولى: المرجع للدليل الذي يحاكي العقل:
يقول أبو العلاء المعري:
"يرتجي الناسُ أن يقـومَ إمــامٌ ناطقٌ في الكتيبة الخرســاء... كذب الظنُّ لا إمام سوى العقل مشيرا في صبحه والمســاء
فإذا ما أطعـتــه جلب الرحمة عند المسير والإرســـاء... إنما هذه المذاهب أسبـــاب لجذب الدنيا إلى الرؤسـاء"
"لا إمام سوى العقل" من أهم قواعد المنهجية العلمية، فالإمامة هون هيي الموجّه الموثوق الذي يؤخذ به ويمكن الوثوق به والمشي وراءه واتباعه، والعقل هون هوي الدليل العلمي العقلي المثبت، ومقولة أن لا إمام إلا العقل تعني أن لا يؤخذ برأي أي شخص أو جهة أو معتقد دون أن يكون كلامهم مستند إلى الدليل العلمي المثبت الذي يحاكي العقل مهما كان هذا الشخص أو الجهة أو المعتقد.. كما تعني أنه مهما وصلت شهرة الشخص أو عدد أتباعه أو علمه أو شهاداته يبقى رأيه مضروبًا بعدد أدلته العلمية فإن كان عدد أدلته العلمية صفر فإن قيمة رأيه مضروبًا بالصفر تساوي الصفر... يعني حتى لو أخدنا أهم العلماء وأشهرهم ولو كانوا حائزين على جوائز نوبل فإن آراءهم تبقى آراء وكتبهم تبقى كتب رأي شخصي تؤخذ عليهم لا على العلم إلا إذا كانت منشورة بطريقة علمية أكاديمية وبالدليل.. طبعًا هي العلماء فكيف غير العلماء من المشاهير أو غير المختصين أو رجال الدين.. وهذا ما تم تلخيصه بمغالطة التوسل بالمرجعية Appeal to Authority/Arguments from Authority يعني حتى أشخاص متل نيوتن وتشارلز داروين وأنيشتاين وريتشارد دوكينز ووستيفن هاوكينغ وغيرهم لا يصح اعتبار كلامهم غير المدعم بدليل على أنه مرجع علمي...
السمة الثانية: الفكر التحليلي والشك أساس العلم:
يقول أبو العلاء المعري:
"أمّا اليقين فلا يقين، وإنما.. أقصى اجتهادي أن أظنَّ وأحدسا"
يعني أن الشيء المؤكد الوحيد هو أن لا شيء مؤكد؛ بل كل شيء خاضع للشك والبحث فيه حتى يثبت بالدليل وأن أهم سمات الحقيقة هي قابليتها للشك وهو أحد أسس المنهجية العلمية وتسمى قابلية الدحض التجريبية Empirical Falsifiabilityيعني العلم ما عندو شي اسمو مقدس أو لا يتغير، وتغير وتطور الدليل والطرق التجريبية شي رئيسي ونقد النظريات ودحضها وتطويرها وتصحيحها هوي أهم مميزات العلم فالعلم يصحح نفسو ويُؤقلم النظريات مع الحقيقة وليس كالإديولوجيات الدينية والاجتماعية والسياسية التي تشوه الحقيقة لتؤقلمها مع "نظرياتها". بالنسبة للعلم كل شيء علمي لازم يكون في قابلية لدحضو لأنو هاد بيعني أنو ممكن دراستو والتحقق منو، فكل شيء قائم على الدليل يمكن التأكد منه وكل ما يمكن التأكد منه يمكن دحضه ويبقى صحيحًا بعد إثباته بالدليل حتى يتم دحضه بدليل أكثر صحة أو شمولية علمية أو دقة بسبب تطور العلم وأدواته... أما ما يقوم على الإيمانيات (ويعرف الإيمان على أنه اليقين دون دليل) فهو لا يقترب من العلم بأي شكل من الأشكال.. وما لا يقبل الشك لا يستحق الإيمان..
السمة الثالثة: تقديم العقل على النقل:
يقول أبو العلاء المعري:
" ولا تصدق بما البرهان يبطله فتستفيد من التصديق تكذيبا"
ويقول أيضًا:
" فشاور العقل واترك غيره هـــدرا فالعقلُ خيرُ مشيٍر ضمّه النادي"
ففي أغلب الإيديولوجيات الدينية والسياسية والاجتماعية يتم استخدام عبارات المؤسسين على أنها الحقيقة المقدسة وأنها المقياس لتحديد صحة غيرها.. فما يوافقها هو صحيح ولو لم تثبت صحته بالدليل وما يخالفها فهو خاطئ ولو ثبت بالدليل وذلك لتقديم وتفضيل النقل (الكلام المنقول عمن سبقنا) على العقل (الدليل العلمي).. وهنا يقول أبو العلاء المعري بأن تصديق ما يثبت الدليل خطأه سيكسبك التكذيب لأنك صدقت شيئًا كاذبًا...
ومن يقرأ لأبو العلاء وابن رشد وغيرهم ممن أبدعوا في التنوير العلمي ودفعوا ثمن إبداعهم غاليًا سيفهم أن من جمال العلم صحة مبادئة ومنهجيته ومناسبتها لكل زمانٍ ومكان وعدم خشيتها من النقد أو النقض...
ملحوظة مهمة: لست بوارد نقاش أبو العلاء المعري كشخص أو كدين أو كمذهب أو توجه أو معتقد أو أي شيء فالقاعدة الذهبية أننا نناقش أفكار لا أشخاص وأنا كل فكرة تناقش بمعزل عن الشخص أو باقي أفكاره فتثبت أو تُنقض حسب قوة الدليل عليها لا مكانة قائلها...
Comments
Post a Comment