اللاهوت بين الأكاديميا والزيف

 

كُتبت في: 12/07/2021

هل يوجد في الأكاديميا دراسات لها علاقة بالأديان وكليات لاهوت؟ الجواب نعم موجود.. ولكن تختلف معطياته حسب شروط كتيرة رح وضحها قدر الإمكان.. ولذلك لا يمكن أن نحكم على هذا القرار وصحته من خطئه ما لم نحصل على توضيحات مثل: لمن تتبع هذه الكلية؟ ما شروط الانتساب لها؟ ما شروط الدراسة فيها؟ آلية تقييم المراجع والمناهج؟ الشهادة التي يحصل عليها الخريج.. وكتير أشياء أخرى.. والسبب سيتوضح في الشرح الآتي..

يوجد عدة أنواع للدراسة الأكاديمية التي تخص الأديان واللاهوت يمكن تقسيمها إلى:
- دراسة الأديان study of religions أو ما يسمى بالدراسات الدينية  Religious studies ومن ضمنها مقارنة الأديان Comparative religion، وفيها تتم دراسة الأديان دراسة أكاديمية حسب نصوصهم وتقارن هذه النصوص من وجهة نظر تاريخية وجغرافية وأدبية وعادات وتقاليد والتقاربات والتناقضات بين هذه الأديان.. وفيها لا يشترط أن يكون الدارس من دين محدد بل يمكن أن يكون لاديني فهو يدرس الأديان كما يدرس المدارس الأدبية والفنية ويتخرج منها الطالب بشهادة أكاديمية، وتكون مصادرها أكاديمية فيما عدا النصوص المدروسة التي تعامل معاملة الوثائق التاريخية، طبعًا العديد من الجهات الدينية ترسل رعاياها لدراسة هذه المجالات..
- دراسة اللاهوت (الثيولوجي) Theology وهي دراسة أكاديمية للطبيعة الإلهية والوحي وغيرها من وجهة نظر المعتقدات الدينية وفهم المعتنقين لهذا الدين له ولكن من باب أكاديمي وليس إيماني حيق يمكنك دراسة طبيعة الإله في المسيحية والإسلام وطبيعة الاتحاد مع الكون بالبوذية والآلهة المصرية وغيرها دون الإيمان فيها.. لذا لا يشترط على الدارس أن يكون من دين محدد وينطبق عليه ما ذكرته أعلاه..

أمثلة عليه:
الدراسات الثيولوجية في أوكسفورد وهارڤارد..
مثلًا في هارڤارد تجدون هذه الكورسات من بينها كورس اسمه Islam Through Its Scriptures أي "الإسلام من خلال كتبه" وفي وصف الكورس نجد الآتي:
"كيف يمكنك تحسين فهمك للإسلام وأهم نص مقدس فيه "القرآن"؟ كيف يمكنك أن تفهم تقليدًا ونصًا تم تفسيره بطرق مختلفة عبر مساحات جغرافية شاسعة لما يقرب من ألف عام ونصف؟
يوفر هذا الكورس الديني، وباستخدام نهج متعدد الوسائط يركز على الطالب، أدوات ووجهات نظر لفهم دور القرآن في التقاليد الإسلامية. سيطور المتعلمون المهارات والسياق لقراءة النص بأنفسهم، مع تقديمهم أيضًا لبعض القضايا التي تناولها المترجمون الفوريون والمعاصرون. يمكّن هذا النهج المتعلمين من استكشاف تأثير القرآن على الفهم الإسلامي المتنوع للإسلام."
أي كما تلاحظون هو دراسة لتأثير القرآن وفهمه وتاريخه بطريقة أكاديمية ومن النصوص بالمقابل نجد كورسات عن المسيحية والبوذية وغيرها..

كذلك في أوكسفورد حول تدريس الثيولوجي:
"عند الانتهاء من هذا الكورس ستكون قد اكتسبت المعرفة والفهم للعديد من التقاليد الدينية. ستكون قد فكرت في ماهية الدين وكيفية التعامل مع التعلم عنه. ستكون قد درست الكتاب المقدس العبري والعهد الجديد، وتطور العقيدة المسيحية في سياقها التاريخي، وفكر اللاهوتيين المعاصرين. عندها سيُطلب منك دراسة مجموعة متنوعة من النصوص، والتي ستعمل على تطوير مهاراتك النقدية والتحليلية والمقارنة. ستكتسب أيضًا الكفاءة في واحدة على الأقل من اللغات الست ويجب أن تجد أن القدرة على قراءة النصوص المقدسة بلغتها الأصلية هي تجربة مرضية للغاية."
يعني الموضوع متل لما بتدرس مدارس فلسفية مختلفة...

طيب هل هنالك أشياء أخرى تخالف ما ذكر أعلاه؟
طبعًا.. لما المعاهد أو بعض ما يسمى جامعات (كالأزهر وغيرها)، أو الكليات اللاهوتية المسيحية أمثال كليات اللاهوت الدفاعي Christian apologetics تدرس الدين على أنه حقائق وأن كل ما قيل في هذه الكتب ليس شيء أدبي أو مقارن بل حقيقة وتشترط عليك دراسة الدين من مدخل ديني وليس أكاديمي وأن تكون متبع لهذا الدين وأن تتخرج كرجل دين فهذا أبعد ما يكون عن الأكاديمية وما يسمى بشهادات الماجستير والدكتوراه الصادرة عنه هي مجرد ادعاءات لا قيمة أكاديمية لها بل عبث بعبث..

حاليًا يوجد العديد من الدول التي تحاول دس السم في الأكاديميا وتفتتح مراكز دينية في بعض الجامعات العريقة مستغلة ضعف نفوس بعض الأشخاص المسؤولين عن هذه الجامعات للحصول على التمويل ولكنها تسقط عند محاولات النشر العلمي فالمجلات العلمية المحكمة تنشر ما يتبع للمجالات الأكاديمية أعلاه وليس لسخافات المعاهد الدينية... وكذلك هنالك تلاعب على المسميات فالبعض يدعي أن الدراسات تناقش هذه الأمور من وجهة نظر دينية بينما الدراسات تناقش الإدعاءات الدينية بطريقة أكاديمية تاريخية ومقارنة من منطلق "إن القرين بالمقارن يهتدي" أي يمكن مقارنة رأي مذاهب مختلفة أو أديان مختلفة حول فكرة ما دون الاعتراف بصحة هذه الفكرة.. كأن أقدم رأي ثلاثة حضارات قديمة بلون شعر اليونيكورن (الحصان وحيد القرن) دون أن أكون مؤمن باليونيكورن!

في النهاية نحتاج المزيد من المعلومات قبل أن نحكم على صحة أو خطأ هذا القرار، لأنه إن كان لمقارنة الأديان وتأثيرها بطريقة أكاديمية (ويا لصعوبة هذا في بلادنا) فهو قرار صائب، وإن كانت كلية على غرار الأزهر  واللاهوت الدفاعي وأمثاله فهو قرار مصيبة لأن من أعلنه هو "وزارة التعليم العالي والبحث العلمي" والذي يفترض أن لا تتبنى أي شيء ليس أكاديمي ولا تصادق على أي شهادة منه على أنها مرخصة من هذه الوزارة...

في الختام لا يسعنا إلا أن نقول: لاهوت ولا قوة إلا بالله...

Comments

أكثر المقالات قراءة:

قراءة في "معجزة خلق الجنين" ما بين السردية الإسلامية وكتاب غالين

أصل الحياة (التولد الذاتي)، ودراسة جديدة لردم جزء من هذه الفجوة

الفرق بين الحجة والادعاء والدليل، وما هي أنواع الدليل

هل يمكن نفي ما لا دليل عليه؟ إثبات الادعاء السلبي المبهم Proving a Negative

ما بين رهان باسكال ورهان أوريليوس يتم التفريق بين التاجر والإنسان.. بين الإيمان والأخلاق