قصة المناعة والأوبئة والإنسان

-



كُتبت في: 03/04/2020


عادة في أمور بعتبرها أسخف من أنو ينحكى عنها.. اعتقادات بيني وبين حالي باعتبرها مجرد سخافة أخدها على محمل الجد بيرفع من قيمتها، متل ادعاءات جماعة الأرض المسطحة The Flat Earth Society ودعوات الجماعة ضد اللقاح Ant-Vax وهيك شغلات.. لكن أحيانًا وبظروف معينة متل اللي عم نمرّ فيها حاليًا بنلاقي أنو بعض الجماعات ضررهم ما عاد محصور فيهم بل تجاوزهم ليصيب غيرهم وهون آراءهم ما عادت آراء شخصية... في كتير تعليقات وپوستات عم شوفها (متل اللي بالصورة الأولى) عم تركز على أنو اللقاحات ما ألها داعي وأنو الإنسان كان عايش قبل 200 سنة بلا لقاحات وأنو البشر عاشوا آلاف السنين وكان كل العلاجات موجودة بالأعشاب!

طيب هالمرة رح إجي عحالي وحاول وضح بعض النقاط اللي المفروض تكون بسيطة وواضحة مع أني واثق أنو هيك عقليات ما بينفع معها الحكي...


رح أحكيلكم قصة المناعة والأوبئة والإنسان..

ضحايا الأوبئة القديمة كانت تتراوح بين 3 بالمية من عدد سكان العالم متل ما صار مع جائحة الإنفلونزا Flu Pandemic (1918)  لحوالي 25-50 بالمية من عدد سكان العالم في الأزمنة الأقدم متل حالة الموت الأسود (الطاعون) (1346-1353). يعني كان الوباء يحصد حصد..

بينما الأوبئة الحديثة فالضحايا بتتراوح بين 0.008 بالمية من سكان العالم جائحة إنفلونزا الخنازير (2009) H1N1 و حوالي 0.003 بالمية من سكان العالم جائحة إنفلونزا الطيور (2006,2007,2008,2009) H1N1 و3 بالمية جائحة إنفلونزا هونغ كونغ FLU PANDEMIC/ The Hong Kong Flu (1968) و0.06 بالمية وباء الإنفلونزا الآسيوية Asian Flu (1956-1958).

والسبب تحسن المناعة تبع البشر.. 


طيب كيف تطورت هالمناعة؟

تطورت المناعة من عدة عوامل:

-  الاصطفاء الطبيعي Natural Selection: الظروف المحيطة والأمراض الموسمية وغيرها سببت القضاء على جميع الأفراد ذوي المناعة الضعيفة والإبقاء على الأفراد ذوي المناعة القوية واللي نقلوا مناعتهم للأجيال القادمة.

- مناعة القطيع الطبيعية Natural Herd Immunity: شي شبيه بالاصطفاء الطبيعي بس قاسي أكتر.. وهوي أنو وقت الأوبئة بتم إصابة عدد كبير من أفراد المجموعة حوالي 60-70 بالمية من الأفراد واللي بموت منهم الأفراد ذوي المناعة الأضعف (على الأغلب المسنين والمصابين بالأمراض وأحيانًا كتيرة الأطفال) واللي بيتبقى بكونوا أشخاص ذوي مناعة قوية بقاوموا المرض وبيتغلبوا عليه وبيعملوا قطع طبيعي لسلة انتشار المرض، وطبعًا بينقلوا مناعتهم للأجيال القادمة.

- تحسن نوع الغذاء والأساليب الصحية والتوعية والنشاط البدني مما يحسن قوة الجسم بالتالي قدرتو على مقاومة الأمراض وبالتالي قدرتو على تطوير المناعة..

- اللقاحات ومناعة القطيع الصناعية: اللي اعتمدت على إدخال الجسم بسيناريو الإصابة العمدية بالمرض لكن بمسببات أمراض أضعف بتجعل من السهل الجسم يتغلب عليها ويكون مناعة ضدها، وبالتالي تلقيح أكبر عدد ممكن من أفراد المجموعة بسبب تأثير شبيه بمناعة القطيع الطبيعية لكن مع عدد ضحايا شبه معدوم.


طيب شو كانت النتيجة؟

هالشي كان ألو عدة نتائج:

- ارتفاع معدل زيادة عدد السكان واللي ازداد بشكل مخيف.. يعني من حوالي 10.000 قبل الميلاد ولحدود 1800 ميلادية كان عدد السكان أقل من مليار وفجأة بلش يزداد بشكل سريع لحتى صار يزداد بمعدل ضخم متل مو شايفين بالصورة:


- ارتفاع معدل عمر الإنسان كمان في ارتفاع كبير بمعدل طول عمر الإنسان واللي ازداد بشكل حاد حوالي سنة 1900 ميلادية:


طيب شو فائدة اللقاحات؟

بشكل عام أول لقاح فعلي ساعد على فهم عمل اللقاحات تم عام 1796 على يد Edward Jenner مؤسس علم اللقاحات في الغرب لما قام بتلقيح صبي عمرو 13 عامًا بلقاح من ڤيروسات جدري البقر cowpox، وصار عندو مناعة ضد الجدري. وبعام 1798، تم تطوير أول لقاح للجدري. وعلى مدى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، تم تنفيذ منتظم للتحصين الجماعي ضد الجدري عالميًا. وكمان قام Louis Pasteur بتجارب لتطوير لقاح الكوليرا الحي المضعّف Live Attenuated Cholera Vaccine ولقاح الجمرة الخبيثة المعطّل Inactivated Anthrax Vaccine عامي 1897 و 1904 على التوالي. وتم اختراع لقاح الطاعون Plague vaccine في أواخر القرن التاسع عشر. بين عامي 1890 و 1950، وانتشر تطوير اللقاحات البكتيرية، بما في ذلك تطعيم Bacillis-Calmette-Guerin (BCG)، اللي لساتو قيد الاستخدام اليوم.

لاحظوا معي أرقام السنين وقارنوها مع المخططات بالصور تبع زيادة عدد السكان وزيادة معدل عمر البشر..

ومع هيك ما رح قول أنو اللقاحات هيي السبب الوحيد مشان ما كون عم ارتكب ولو بشكل بسيط نوع من أنواع التحيز التوكيدي Confirmation Bias لأنو تحسن هي العوامل ألو علاقة بكتير عوامل تانية صحية وتوعوية وثقافية واجتماعية واقتصادية، لكن اللقاحات من أهم الأسباب الأساسية.


بس رح قول أنو كتيييير أمراض ما كان الجسم قادر أنو يتحكم فيها بلا لقاحات:

-  عدد وفيات الحصبة Measles: انخفض بمقدار 95% بعد اختراع اللقاح سنة 1963:

- عدد إصابات شلل الأطفال Polio: قبل إدخال اللقاح في الخمسينيات، كانت في حوالي 7760 حالة إصابة بشلل الأطفال في المملكة المتحدة كل عام، مع ما يصل إلى 750 حالة وفاة. بمجرد توفر اللقاح بشكل روتيني، انخفضت حالات شلل الأطفال بسرعة إلى مستويات منخفضة للغاية. كان آخر تفشي لشلل الأطفال في المملكة المتحدة في أواخر السبعينيات، وكانت آخر حالة إصابة بشلل الأطفال طبيعية في المملكة المتحدة في عام 1984 (الصورة للحالات بأميركا):


وفي كتير أمثلة تانية.. وإذا حابب تتأكد اسأل جدك أو ستك كم مات ألهم أخ أو ولد بسبب الحصبة وغيرها، بعدين فكر كيف هيك مرض تحول بسبب اللقاح لمجرد مرض "خسكارو جمعة" على قولة أسعد الخرشوف!


لذلك يا عزيزي، من بين العوامل الأربعة المساعدة على تعزيز المناعة المذكورة فوق في عاملين رح يتطبقوا إذا تجاهلنا التوجيهات الصحية واللقاحات وهني (الاصطفاء الطبيعي ومناعة القطيع الطبيعية) وصدقني وقتها الأوبئة والأمراض أول مين رح تقشهم رح يكون أنت وأمثالك.. ولا تنسى مهما كانت مناعتك قوية رح يجي يوم وتكون كبير بالعمر وتموت إذا ما تم تقوية مناعتك ومناعة المجتمع بتدخل لقاحي...


ليك أنا شخصيًا بحب الاصطفاء الطبيعي لأنو متل ما ذكرت بمقال سابق إلي (البقاء للأعلم) بس مع ذلك بتضلك شخص وبحترم حقك بالحياة حتى لو كنت أحمق! بس أنت كمان احترم حق غيرك بالحياة اللي ممكن تحرمو ياها لهيك كلام غلط وغير مسؤول.

.............

مصادر:

Comments

Post a Comment

أكثر المقالات قراءة:

قراءة في "معجزة خلق الجنين" ما بين السردية الإسلامية وكتاب غالين

-
Image
  كثيرًا ما نجد نقاش "ديني- لاديني" حول ما يسمى بمعجزة "خلق الجنين" في القرآن، والرد عليها من قبل اللادينيين  بأنه حتى نقول عن شيء أنه "معجز" - بفرض أن لكلمة معجز معنى أساسًا- فإنه على الأقل يجب أن يحقق بعض الشروط، منها: - أن يكون مذكورًا بشكل واضح لا يحتمل التأويل أو التشكيك أو المعارضة (فما طرأ فيه الاحتمال بطل فيه الاستدلال". - أن لا يكون من الممكن الوصول إليه بأدوات وعلم ذلك الزمان. - أن يكون غير مذكور مسبقًا بسرديات أقدم. ما سأركز عليه في هذا المقال هو آخر جزئيتين، كون جزئية التأويل يتم التلاعب فيها ولا أرغب في إضاعة وقت أي منكم، لذا سأفترض التأويلات الحديثة صحيحة، وأثبت أن البشر وصلوا لها بطريقة طبيعية قبل ذكرها في القرآن بمئات السنين بل وبشكل أدق وأوضح. الآيات التي سيتم نقاشها هي: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ
اقرأ المزيد »

أصل الحياة (التولد الذاتي)، ودراسة جديدة لردم جزء من هذه الفجوة

-
Image
كُتبت في: 29/09/2021 منذ خمسة أيام نشرت مجلة Nature مقالًا يساهم في ردم فجوة "نشوء الحياة على الأرض"؛ لفهم هذه الفجوة وما أضافته هذه الدراسة الجديدة اقرأ هذا المقال.. في عالم المعرفة والعلوم توجد العديد من الفجوات العلمية والمعرفية التي تعمل البشرية على ردمها، وتختلف طرق سد هذه الفجوات باختلاف العقليات، فمنها العقليات المثابرة الصادقة مع نفسها في البحث عن الحقيقة مهما كان البحث صعبًا والحقيقة غير مرضية للعواطف أو التوقعات؛ ومنهم العقليات التي تسعى لسد هذه الفجوات بأي جواب بغض النظر عن صحته إما لتقليل عبء الجهل الذي تحس به وعدم تقبلها لحقيقة أننا لا نعرف ولن نعرف كل شيء، أو لكي تروج لإيديولوجيا ومعتقدات تعتقد بها وتعرف أن كشف حقيقة الجواب سيضر بمعتقداتها.. وباستغلال هذه الفجوات العلمية نشأ عندنا العديد من مروجي العلوم الزائفة  Pseudoscientists   ومروجي المعتقدات الدينية والفلسفية الخاطئة باستخدام ما يعرف بمغالطات التوسل بالمجهول Appeal to Ignorance ونقل عبء الإثبات Shifting the Burden of Proof وإله الفجوات God of the Gaps، والذين لا يقدمون أي دليل على أي طرح يطرحون بل يكتفون ب
اقرأ المزيد »

الفرق بين الحجة والادعاء والدليل، وما هي أنواع الدليل

-
Image
  كُتبت في 06/01/2022: كثيرًا ما يتم الخلط بين العديد من المصطلحات المتعلقة بالبناء المعرفي في المحاججات والنقاشات غير الأكاديمية وأحيانًا في الأكاديمية أيضًا، والذي يؤدي بدوره إلى إيصال أفكار مغلوطة للمتلقي؛ وبالتالي فإن تحرير هذه المصطلحات عبر تعريفها والمقارنة بينها يُعد أساسًا لا بد منه لإزالة اللغط.. كنت قد تحدثت سابقًا عن نظرية المعرفة في هذا المقال   ومتى نستطيع أن نقول عن الادعاء أنه معرفة، وأنه لا بد أن نحقق ثلاثة شروط أساسية حتى نقول عن ادعاء Claim ما أنه معرفة Knowledge وهذه الشروط الثلاثة هي: الاعتقاد Belief، والتبرير (التسويغ) Justification، والتحقق (الصحة) Truth. كما بينت في مقالٍ ثانٍ  المسميات التي نطلقها على الادعاء في حال عدم تحقق شرط أو أكثر من هذه الشروط حيث أنه لم يعد يمكننا أن نسميه معرفة، وهنالك أيضًا بعض الغرف المسجلة (مدرجة آخر المقال) تشرح الموضوع بتفاصيل أكثر. كما وضحت في عدة مواضع سابقة أن إدراك الإنسان لما يحيط به وتحليله يعتمد على عدة أمور والتي نعتبرها مصادر للمعرفة (بمعنى أنها تعطينا الشرط الأول للمعرفة وهو الاعتقاد Belief والذي هو شرط لازمٌ لكن غير كافٍ
اقرأ المزيد »

هل يمكن نفي ما لا دليل عليه؟ إثبات الادعاء السلبي المبهم Proving a Negative

-
Image
  كُتبت في 20/01/2022 كثيرًا ما نسمع في النقاشات ادعاءات غَيبية لا دليل عليها سواء لوجود شيء ما أو حدوث أشياء ما، وعندما يطلب المحاور الآخر من الشخص صاحب الادعاء إثبات ادعاءه يلجأ صاحب الادعاء إلى الطلب من المحاور الآخر إثبات عدم صحة ادعائه. كأن يدعي أحدهم وجود الجن أو الأشباح وعند طلب الدليل على ادعائه يجيب بأنك لا تستطيع إثبات عدم وجودهم.. في الأحوال العادية نكتفي بإجابة الشخص بأنه يرتكب مغالطة تحويل عبء الإثبات Shifting the burden of proof والتي يقوم فيها صاحب الادعاء بتحويل عبء تقديم الدليل على الآخر على الرغم من أن البينة على من ادعى؛ وكذلك ارتكاب مغالطة التوسل بالجهل Appeal to ignorance والتي فيها يعتمد شخص ما على جهلنا بكيفية حدوث شيء ما فيسمح لنفسه بتقديم طرح لا دليل عليه بحجة "أنه على الأقل يملك جواب بينما الآخر لا يملك جواب" وكأن الحل هو امتلاك جواب دون دليل! ولكن وبعيدًا عن المغالطات المنطقية دعونا نتسآءل: لماذا لا يمكننا نفي ما لا دليل عليه أو ما يسمى بإثبات الادعاء السلبي؟ في البداية دعونا نميز الفرق بين الادعاء الإيجابي Positive Claim والادعاء السلبي Negative
اقرأ المزيد »

ما بين رهان باسكال ورهان أوريليوس يتم التفريق بين التاجر والإنسان.. بين الإيمان والأخلاق

-
Image
كُتبت في: 28/09/2017 أكتر شي ممكن تسمعه لما بتكون عم تناقش أي شخص حول ماهية الإيمان ومنطلقو ومنطقو هوي رهان باسكال.. هاد الرهان اللي بوحد معظم المؤمنين من كافة الأطياف (وهاد شي جد نادر)..  رهان باسكال أو Pascal’s Wager هو شي بسيط كتير: "الإيمان هو الرهان الحكيم. فالإيمان لا يمكن إثبات صحته أو ضمانه، بالتالي ما الضرر اللي ممكن يصيبك إذا قامرت عصحته وآمنت وتبين بعدين أنو مو صحيح؟ ما في أي ضرر لأنو إذا طلع الإيمان صحيح وفي منو مكسب فأنت بهالحالة كسبت كل شيء، أما إذا كان الإيمان مو صحيح وما في شي تآمن فيه فأنت فعلياً ما خسرت شي، يالتالي ومن دون تردد، أنت لازم تآمن لأنو هالشي أضمن". بعبارات أخرى: 1- إن آمنت بالله وكان الله موجوداً، فسيكون جزاؤك الخلود في الجنة، وهذا ربح لا محدود. 2- إن لم تؤمن بالله وكان الله موجوداً، فسيكون جزاؤك الخلود في جهنم، وهذه خسارة لا محدودة. 3- إن آمنت بالله وكان الله غير موجود، فلن تُجزى على ذلك، هذه خسارة محدودة. 4- إن لم تؤمن بالله وكان الله غير موجود، فلن تُعاقب لكنك ستكون قد عشت حياتك، وهذا ربح محدود. يعني أنت بتراهن على الربح اللامحدود وتجنب الخسار
اقرأ المزيد »