فرضيات الفجوات والتوسل بالمجهول.. كيف قضى فريدريش ڤولا على مبدأ الحياتية بالضربة القاضية؟
كُتبت في: 15/07/2020
نصف العلم أن تقول "لا أعرف" قاعدة مهمة تعتبر أساسًا من أسس العلم والفلسفة العلمية ومن قبلها فلسفة نظرية المعرفة Epistemology لأن "لا أعرف" ليست مجرد جواب صحيح بل من شأنها ترك الباب مفتوحًا للبحث، لأن وضع جواب من باب الاجتهاد فقط من أجل ملئ الفجوة سيغلق باب التساؤل أمام الأجيال القادمة التي ستمتلك علمًا أفضل ومعدات أكثر تطورًا.. ترك باب السؤال مفتوحًا يسهل المهمة جدًا أمام الباحثين اللاحقين، فمعرفة الباحث بوجود سؤال دون إجابة أفضل بكثير من معرفته لوجود إجابة غير مثبتة (لكن متفق عليها) لأن مهمته عندها لن تنحصر في إيجاد الإجابة بل يسبق هذا ضرورة التشكيك بالإجابة الموجودة والعمل على إثبات خطأها.. فترك السؤال مفتوحًا دون إجابة شبيه بأن تمهد الأرض لغيرك كي يبني عليها لاحقًا، وفي المقابل وضع إجابة غير مثبتة شبيه ببنائك بناءً مخالفًا يتوجب على من يأتي بعدك إزالته ومن ثم البناء من جديد...
فرضيات الفجوات هيي أسلوب متبع من قبل العديدين الذين يستغلون وجود فجوة علمية ليقوموا بملئها بأي شيء مستخدمين مغالطة التوسل بالمجهول Appeal to Ignorance (شو جواب العلم على أصل الكون؟ ما في جواب.. حلو معناها أصل الكون كذا... شو جواب العلم على أصل نشوء الحياة؟ ؟ ما في جواب.. حلو معناها أصل نشوء الحياة كذا)... ومغالطة عبء الإثبات Burden of Proof (لما تسألو: طيب شو دليلك أنت أنو هاد أصل نشوء الكون أو الحياة؟ بكون الجواب: ثبتلي أنو ما هاد هوي أصلهم).. مع أن الإثبات على المدعي وليس على الرافض، لأنه لا يمكن نفي غير المثبت.. فادعائي بوجود تنين زهري في مجرة أندروميدا لا يمكن إثباته ولا يمكن نفيه فهل هذا يجعل ادعائي صحيح؟ قيمة ادعاء أصحاب فرضيات الفجوات يساوي قيمة ادعائي بوجود تنين زهري...
هذه المغالطات كانت متبعة منذ زمن طويل وأحد الأمثلة عليها هم أتباع المذهب الحيوي أو المبدأ الحياتي Vitalism والذي يقولون بتميز الكائنات الحية عن الكائنات غير الحية لأن الكائنات الحية تحتوي عناصر لا مادية non-physical elements وتحكمها قوانين لا مادية.. هذه العناصر سميت بأسماء مختلفة مثل الشرارة الحيوية vital spark أو الطاقة energy (بمعنى الطاقة الحيوية شبيهة بالطاقة التي يتحدث عنها دعاة علم الطاقة الزائف) أو قوة الخلق/دفعة الحياة élan vital الشبيه بمفهوم الروح والتي بدورها تعد أحد أنواع هذه العناصر اللا مادية... وكانت إحدى ادعاءاتهم أن الأرض كانت جزء من الشمس وجميع عناصرها كانت لاعضوية ومن غير الممكن تشكل مواد عضوية من بادئات لا عضوية مئة بالمئة.. إذا لا بد من وجود قوة لا مادية غير محكومة بقوانين فيزيائية حولت هذه المواد اللاعضوية إلى مواد عضوية.. واعتمادًا على عدم قدرة العلم (حينها/وقتها/آنذاك) أنو يثبت العكس (مع أنو مو مطلوب منو) أو يعطي جواب عن السؤال، "اجتهدوا" الشباب الطيبة وقالوا بوجود هي القوة وحطوا نظريات ومذهب كامل...
حتى جاءت لحظة الحقيقة عام 1828!!
وقام العلم الألماني فريدريش ڤولا (بالمصادر العربية فولر وفوهلر) Friedrich Wöhler بقلب الطاولة عليهم من مخبره عبر تشكيل مادة عضوية لأول مرة في تاريخ العلم من بادئات لا عضوية مئة بالمئة وكانت هذه المادة هي اليوريا التي شكلها من تفاعل كيميائي بين مواد لا عضوية هي سيانات الفضة وكلور الأمونيوم؛ وبهذا التفاعل بدأ عصر الكيمياء العضوية وتحول المبدأ الحياتي إلى ما يسمى نظريات مستبدلة Superseded theories متل الأرض المسطحة ودوران الشمس حول الأرض وغيرها...
للتلخيص!
عدم وجود إجابة هو أفضل بديشيليارات المرات من افتراض إجابة غير مثبتة واعتمادها...
عدم وجود إجابة لا يعطيك لا الحق ولا المسوغ لتقديم جواب غير مدعم بدليل...
فرضك لإجابة معينة يستوجب تقديم الدليل عليها وعبء الدليل يقع عليك ليس على من يرفضها...
لا تبني نظرياتك ومفاهيمك وحياتك على أرضية غير مُثبتة لأنها ستكون غير ثابتة وسيأتي يوم ويهزها أحدهم بأنبوب اختبار ويقلب نظريتك وحياتك رأسًا على عقب وقد يكون قد فات الأوان لاستبدال حياتك أو ووقتك فالنظرية من العادي أن تصبح Superseded لكن حياتك صعب تصير هيك!
Comments
Post a Comment