تسخيف المعاناة واختصار الأسباب، تزوير للحقائق واستخفاف بذوي الألباب
كُتبت في: 27/10/2020
يقضي يومه وهو يتابع الصغيرة والكبيرة ويلاحق كل شاردة وواردة، يعمل ما مقداره 16 ساعة في اليوم وحين يأتي وقت استراحته لشرب فنجان قهوة يجلس ليتذكر عدد مرات فشله الألف التي مر بها قبل أن ينجح نجاحه الأول.. يجلس على طاولة العشاء مع أولاده والتي خطط لها لأيام ليجد وقتًا لها ليخبرهم بأهمية المحاولة واقتناص الفرص وأن تكون مسلحًا بالعلم والمال والطاقم الجيد وأن تتنقل تدريجيًا وكيف تفهم عقلية المستهلكين والمستثمرين والمنافسين وغيرها من الأمور...
ولكن وفي لحظة وبعد أن يقرر أو يطلب منه أن يخرج ليلقي مواعظه على الناس، وأول ما يتأبط مايكروفونه يذهب كل هذا من رأسه... يمسك مايكروفونه أمام هذا الحشد الكبير ويبدأ بالتفكير... "مممم إنه حشد كبير وتسويق مجاني.. كل رأس حاملة لعينين تنظران إليّ أو أذينين تنصتان لي هي زبونٌ محتمل.. هل عليّ نصحهم؟ هل عليّ أن أكون صادقًا معهم؟ بالطبع لا.. لازم كون Cool".. يفكر صاحبنا بكل هذا وهو ينقّل رأسه بين سيناريوهات معروفة ليختار منها واحدًا:
- "بدأت شركتي ذات المليارات من قبو المنزل مع رفقاتي بالحارة".. هو لم يكذب لكنه لم يقل الحقيقة فهو كمن قال لك: "بدأت بناء قصري من بلوكة قياسها 30سم".. هذا صحيح لكنه بطريقة ما جعلك ترتب خطوات بناء هذا القصر كالآتي: "مسكت بلوكة، طلع قصر" متناسيًا آلاف المراحل التي مر بها هذا القصر قبل أن يصبح قصرًا والتي جميعها أهم من هذه البلوكة بس إذا خبرك ياها ما عاد يضل كوول...
- "قلت لأمي أريد أن أصبح عالم مجرات فقالت لي لا بأس لكن لا تنسى أن تكتب وظيفة الديانة للآنسة".. هو لم يكذب لكنه لم يقل الحقيقة... أكاد أجزم أن أكثر من خمسين بالمية من الأطفال أثناء مراحلهم الأولى من الدراسة وقبل أن تصطدم رؤوسهم الغضة بسقف واقعية الواقع المر أرادوا بل وصرحوا لأحد ما أنهم يرغبون أن يكونوا رواد فضاء أو علماء أو طيارون أو أو عندما يكبرون وخاصة عند إجابة مس الإنكليزي عن سؤال "What do you want to be when you grow up? حبيبي" وهذا طبيعي.. ولكن صاحبنا لم يخبرك بكمية المعاناة التي عاناها أثناء الدراسة وكم فرعًا غيّر وكم اختصاصًا بدّل وكم منحة رفضته وكم فرصة عمل ضاعت عليه وكم وكم وكم...
- "أنا لم أكمل دراستي في جامعة هونولولو ولكن كل خريجين هونولولو يعملون الآن تحت صـ... صولجاني" بغض النظر عن أن العديد من هذه المقولات منسوبة أو كاذبة أو حتى قائلها لا يقول الحقيقة الكاملة وعلى الرغم من أنه لم يكذب لكنه لم يقل الحقيقة... فهو لم يخبرك كيف بدأ عمله في سن مبكرة وأن هذا العمل يحتاج متابعة شخصية اضطرته ليترك الجامعة فهو تركها لوجود شيءٍ واضحٍ ينتهجه وليس للبحث عن عملٍ يقوم به ولم يخبرك أيضًا عن إكماله لاحقًا لدراسته وغيرها الكثير الكثير من التفاصيل...
- "كنت فاشلًا في الدراسة ولم أكمل تعليمي لكن أمي أو خالتي أو مرت أبي أصرت إلا أن أكمل لأنني عبقري وأفهم أكتر من الأستاذ" قصص وأخبار من أوقات كان فيها تقبّل المعلومة حتى لو فيها خسارة لك أسهل بعشرات المرات من البحث عن مصدرها.. زمنٌ كانت حقوق اختراع تباع لصاحب الشركة الأكبر...
عديد من القصص الواهية التي تخفي خلفها معاناةً هائلة، قصص تشعر من يسمعها أنه تقليدي وأنه تجاوز سن النجاح.. قصص ترافقها قصصٌ صغيرة مضللة على سبيل المثال لا الحصر كيف أن كون سيرتك الذاتية مصممة بطريقة Creative يا بعدي هي أهم مما تحتويه هذه السيرة وكأن موظف الموارد البشرية HR سيختارك حسب اندهاشه وانشلاشه عند رؤية طريقة عرض السي في تبعك وكأنه حب من النظرة الأولى متناسين مرحلة الفلترة الأولى Long listing والتي تتم أغلبها أوتوماتيكيًا وأحيانًا عبر سوفت وير ما بهمو المظاهر ومتناسين أن أغلب الشركات العالمية اللي طقّ راسها من هالحركات أصبحت تطلب منك ملء بياناتك ضمن خانات في موقعها لتعرضها هي لاحقًا بشكل موحد.. قد يكون لهذه الحركات أهمية لكن مكملة Complementary وليست أساسية Essential فما يهم بالسي في هو جسمها ومحتواها لا شكلها فهي ليست مكنسة تلبّسها فتصبح ست النسي (قيل النسي بدل النسا بحكم نحنا بنلفظ مكنسة مكنسي بياء مخففة فوضعنا نسي بدل النسا للضرورة الشعرية ومشان يبين المثل عميق رغم تفاهتو)..
المهم أن الكثير من القصص قد تكون صحيحة لكنها تتضمن مغالطات منطقية عدة.. فأن يكون عدد كبير من الناس يقومون بشيء واحد وتختار الناجحين منهم والذي لا يتجاوز عددهم 1% وتتجاهل 99% فهذه مغالطة مشهورة لها أسماء عدة مثل قمع الدليل أو الدليل الناقص أو الالتقاطية أو الاسم الأشهر وهو التقاط الكرز Cherry picking (مغالطة من اسمها لذيذة ومن قد مو لذيذة الكل بيرتكبها) وهيي لما بننتقي بيانات أو أمثلة ذات تمثيل قليل لكن تثبت الكلام ونتجاهل العديد من الأمثلة الأخرى ذات التمثيل الأعلى التي تعاكس كلامنا (ملحوظة حول هذه المغالطة مشان اللي حابين يفهموها أكتر: هذه المغالطة لا تطبق على الأشياء مطلقة الحكم، كيف يعني؟ يعني إذا أنا قلت أن كل المجموعة بشكل مطلق جيدة وأنت جبتلي مثال واحد منها سيء فهاد كافي يثبت أنو كلامي خطأ بسبب إطلاق للحكم على أنه مطلق وعام ولا يعتبر هذا انتقاء كرز منك... ليش حكيت هالإضافة؟ حكيتها لغاية في نفس يعقوب رح احتاجها يومًا ما لرد على حدا رح يحاول يستخدم هي المغالطة بشكل خاطئ من جماعة الحافظين مو فاهمين)...
العمل والتعب والجهد والالتزام ومعرفة هدفك وآلية وخطوات تحقيقه هني الوسيلة الأهم لتحقيق هالهدف، ما في شي بيصير لحالو وبشكل سحري.. يعني حتى لو ربحت اللوتو واليانصيب فممكن تخسر كل شي إذا ما كان عندك ما سبق...
قصص البطولات الزائفة بتحبط المعنويات لذلك لا تصدقوا كل شي بتسمعوه لأنو بين حمل البلوكة وبناء القصر يوجد مئات العمال وساعات العمل والمواد والتعب والعرق، واللي رح يذكرلك البلوكة وما يذكر ما بعدها هاد شخص حابب يتمنظر ويبين Cool وحابب يكسبك زبون يا حنون..
Comments
Post a Comment