قصة جرثومة تافهة...

 


كُتبت في: 22/10/2020 

جلست جرثومة من جنس Homococcus في منزلها الريفي الجميل القائم في بلدة من بلدات "محافظة الأمعاء" والذي تطل نوافذه على نهر "الشعيرة الدموية" الكبير، تستمتع بقراءة تاريخ بني جنسها وتتعجب من عظمته وعراقته...

فتحت كتاب "تاريخ الأجداد الجراثيم لابن عنقودية" وبدأت الفصل الأول وكيف أن جدها الأول سقط في هذا الكوكب البشري منذ زمنٍ طويل يقارب "العام الكامل" وكيف أنه بدأ الإنقسام لإنتاج بني جنسها جميعًا وأجناس أخرى مختلفة منه وحده والتي انتشرت في كامل هذا الكوكب البشري الذي صمم من أجلهم.. كوكبٌ بشريٌ كاملٌ غنيٌّ بالأعضاء والمغذيات والموارد هي لهم كي يستبيحوها، كيف لا وهم ورثة وأسياد هذا الكوكب البشري والذي وجد بكل وظائفه وعملياته الحيوية ليضمن وجودهم وازدهارهم واستثمارهم...
ابتسمت جرثومة فقد وصلت إلى فصلٍ مضحك من كتاب تاريخ الأجداد، وفيه كيف أن أجدادها عبدو آلهة مختلفة ومضحكة فمنهم من عبد إله "الشريان الأبهر" وإله "الوريد الوداجي" تجنبًا لجرفهم معه أثناء فيضانه الموسمي الذي يحدث مع كل نبضة، ومنهم من عبد الإلهة "معدة" تجنبًا لتموجاتها المخيفة ومنهم من عبد آلهة لا تضر ولا تنفع من حجارة مثل أصنام "الحصوات البولية".. "يا ويلاه ما أسخفهم" قالت لنفسها جرثومة وهي تضحك "ألا يعلمون أن كل هذه الآلهة هي أجزاء طبيعية من الكوكب البشري المسخر لنا"..

أكملت جرثومة الفصل على عجل حتى وصلت إلى عصر النهضة (حوالي سبعة أشهر من وصول جدها الأول إلى الكوكب البشري" وقرأت كيف أن الجراثيم تحررت وعرفت حجمها الحقيقي وكيف أنها سيدة الكوكب البشري وأنها تستطيع أن تستهلك موارده كيفما تشاء وأنّا تشاء.. نعم ولما لا أليس مسخرًا لها!.. "ولكن يا ترى ماذا يوجد خارج هذا الكوكب؟" سؤال سأله الجراثيم لأنفسهم قبل أن يجدوا طريقة يركبون فيها زفير كوكبهم ولعابه ليخرجوا خارجه...

انتقلت جرثومة إلى فصل "ما خارج كوكبنا البشري" وكيف أن رواد الجراثيم وصلوا إلى ذلك الكويكب "الكلبي الأبيض النابح" الذي يدور حول كوكبهم البشري مربوطًا بحبل وكيف سموه lunatic، "ولكن يا للهول ماذا نرى!! لقد كنا مخطئين" جملةٌ غيرت تاريخ الجراثيم، فكوكبنا البشري ليس الوحيد وليس المركز الذي يدور حوله كل شيء بل هو كوكبٌ من ضمن كواكب بشرية أخرى توجد في مجرة "المنزل السعيد"، مجرة المنزل التي يزيد عمرها عن المئة عام مقارنةً بعمر كوكبنا البشري الذي لا يتجاوز العشرين عامًا.. لكن هذا ليس كل شيء! تمكن روادنا من رؤية ما خارج مجرة "المنزل السعيد" عبر نافذة المنزل.. يا ويلاه هنالك المزيد من المنازل! منازل لا تعد ولا تحصى وكل هذه المنازل تقبع متجاورة في حيٍّ كبير.. حيً وجد بني جنسي أنه يتوسع وعمره أكثر من مئتي عام، حيٌّ سموه الحي "الكائن خارجًا"...

أغلقت جرثومة الكتاب ومن ثم عينيها وفكرت بعظمة الحيّ "الكائن خارجًا" وقالت.. "كم هذا عظيم.. كل هذا الحي وما فيه من مجراتٍ منزلية لا تعد ولا تحصى وما في هذه المجرات المنزلية من كواكب بشرية.. كلها وجدت من أجل أن يتشكل كوكبنا البشري العزيز وكل هذا من أجل أن نوجد نحن الجراثيم فيه.. كل هذا الحي مسخّرٌ لنا.. ثلاثمئة عام من العظمة تكللت بوجودنا الذي مضى عليه عام.. كم نحن عظماء!!"

قالتها جرثومة وهي تكمل الساعة السابعة من عمرها الذي لا يتجاوز الاثني عشر ساعة...

كم أنتِ عظيمة أيتها الجرثومة Homo-coccus
つづく

Comments

أكثر المقالات قراءة:

قراءة في "معجزة خلق الجنين" ما بين السردية الإسلامية وكتاب غالين

أصل الحياة (التولد الذاتي)، ودراسة جديدة لردم جزء من هذه الفجوة

الفرق بين الحجة والادعاء والدليل، وما هي أنواع الدليل

هل يمكن نفي ما لا دليل عليه؟ إثبات الادعاء السلبي المبهم Proving a Negative

ما بين رهان باسكال ورهان أوريليوس يتم التفريق بين التاجر والإنسان.. بين الإيمان والأخلاق