هل الإنسان مُسيّر أم مُخيّر..
كُتبت في: 16/04/2021
مفهومي عن الإرادة الحرة، وركّز معي على كلمة "مفهومي" فما ستقرأه هو فهمي ومفهمومي لإرادة الإنسان وحرية الإرادة من خلال بحثي وفهمي للموضوع، ما قاله الآخرون من متدينين وغير متدينين لا يلزمني وما أقوله لا يلزم أحد، قد أكون مكررًا لما طُرح من قبلي وقد أكون أتيت بما لم يأتِ به الأولون، أيضًا هذا ليس مهم..
مفهوم الإرادة الحرة مفهوم جدلي كبير بين الفلسفات والطروحات المختلفة والبعض يعتبر الإقرار بوجود إرادةٍ حرة دليل وجود قوة لا مادية وضعتها والبعض يعتبر أن شرط الإرادة الحرة هو مناط الحساب والتكليف الديني وشرط العقاب الأرضي أو الآخروي، فليس من المنطقي أن يُحاسب الإنسان لا على الأرض ولا في السماء ولا أمام القانون ولا أمام الإله ما لم يكن حرًا؛ وعلى الرغم من الإشكاليات التي أوقعت الأديان بها نفسها لفرض وجود إرادة حرة وكمية الطروحات والمفاهيم الكبيرة التي اضطرت هذه الأديان تغييرها لتتناسب وتتناسق مع ضرورة وجود إرادة حرة إلا أن طرحي لن يتطرق لنقاش هذه الطروحات بل لتقديم مفهومي حولها...
بالنسبة لي تعرف الإرادة الحرة بأنها حرية الاختيار بين مجموعة من الخيارات بنسبة متساوية دون وجود ضغط مادي أو معنوي أو عاطفي أو نفسي أو أي نوع من الضغوط يرجح لك أو يجبرك على اختيار أحد الخيارات بحيث تكون مسؤولًا عما تختاره..
ولكن هنا يجب أن نميز بين حرية اختيار الخيارات وحرية الاختيار من بين هذه الخيارات ودعوني أشبه الموضوع بشخصين أو يدين اليد الأولى تختار خمسة أوراق واليد الثانية تختار ورقة من بين هذه الأوراق الخمس.. وهنا يجب أن نسأل هل اليد الأولى حرة في اختيار الأوراق (حرية اختيار الخيارات) وهل اليد الثانية حرة في اختيار أي ورقة من بين هذه الأوراق الخمسة (حرية الاختيار من بين هذه الخيارات)؟
في الحقيقة (حرية اختيار الخيارات) مرتبطة بعدد كبير من العوامل؛ منها العوامل المتعلقة بالشخص كجيناته (مورثاته) التي تحدد قدراته الجسدية والعقلية، وكذلك مرتبطة بتربيته وثقافته ومجتمعه ودراسته، وتجاربه والعديد من العوامل الأخرى؛ وعوامل متعلقة بظروف الاختيار نفسها، وبالتالي نُعتبر مُسيرين في هذه الجزئية إما من ناحية اختيار الخيارات أو الترجيح المسبق لهذه الخيارات إحداها على البقية...
أما (حرية الاختيار من بين هذه الخيارات) ففي حال عدم وجود ضغط مادي أو معنوي أو عاطفي أو نفسي أو أي نوع من الضغوط يرجح أو يجبرك على اختيار أحد الخيارات فأنت حر في الاختيار ولكنك في نفس الوقت حر فقط ضمن هذه الخيارات...
مثال علّه يوضح الموضوع:
عند قطعك الشارع فإن جميع العوامل التي ذكرناها والتي تؤثر على (حرية اختيار الخيارات) تقدم لك عدة حلول، منها: انتظار الإشارة الصحيحة قبل قطع الشارع، تجاهل الإشارة والنظر يمينًا ويسارًا ثم قطع الشارع، تجاهل الإشارة وقطع الشارع دون النظر يمينًا وشمالًا.. ومن ثم تجد نفسك حرًا لاختيار واحدٍ منها وأنت مسؤول عن اختيارك.. إذًا ماذا لو اخترت الخيار الثالث وقطعت الشارع دون نظر وكادت سيارة أن تصدمك؟ هنا وبسبب هذه التجربة ستتغير منظومة اختيار الخيارات وستجد ترجيحًا نفسيًا لاختيار الخيارين الأولين في المرة القادمة حتى ولو تكررت نفس الشروط والظروف المحيطة تمامً...
إذًا هل الإنسان مسؤول عن قراره ويحاسب عليه؟
في الحقيقة الإنسان يحاسب على الجزء الحر منه.. أي وبما أنه غير حر باختيار الخيارات بينما هو حر في اختيار واحد من الخيارات فهذا يلزمه بمسؤولية الجزء الثاني الذي هو حر فيه.. وهذا واضح حتى قانونيًا... كيف؟
إن كان أحد الخيارات التي أنت حر في اختيار واحد منها أفضل من البقية وأنت قررت أن لا تختاره بكل حرية إذًا تجب محاسبتك، أما إن لم يكن لديك خيار أفضل فعندها لا تجب محاسبتك بالرغم من أنك كنت حرًا في اختيارك...
مثلًا...
إن رأيت شخص ما في الشارع بينك وبينه خلاف، فأنت تمتلك الخيارات الآتية: أن تتركه ويتركك، أو أن تقتله.. فإن اخترت قتله فهذا خيار اخترته بحرية من بين الخيارات وكنت تستطيع اختيار خيار آخر فعندها تحاسب عليه كقتل عمد...
أما إن هاجمك نفس الشخص وعندك إمكانية الهرب فهنا مجموعة الخيارات تتغير وتصبح: أن تهرب وتنجو، أن لا تهرب ويقتلك، أن تقتله، وهنا أيضًا تحاسب على خيارك لإن اخترت أن تقتله ولكن بشكل مخفف لأنه حاول قتلك ولكن تعاقب على عدم اختيار خيار الهرب...
أما إن هاجمك نفس الشخص ولم تكن عندك إمكانية الهرب فهنا مجموعة الخيارات تتغير وتصبح: أن لا تدافع عن نفسك ويقتلك، أن تدافع عن نفسك وتقتله، وهنا تعتبر قتل دفاع عن النفس والعقوبة أخف...
إذًا هنا كانت عندك حرية الاختيار من بين الخيارات لكن لم تكن عندك حرية اختبار الخيارات وبالتالي هذه الخيارات تحدد مدى مسؤوليتك عند اختيارك...
يُرجع البعض اختيار مجموعة الخيارات إلى اللاوعي واختيار واحد منها للوعي ولكن يبقى ادعاء غير مثبت قد يكون صحيح.
طبعًا مصدر هذا التسيير والتخيير هو مصدر سلوكي بيولوجي بحت تحكمه عوامل بيولوجية ومجتمعية وسلوكية لتضمن استمرار الفرد والنوع ولا حاجة لربطها بقوى غيبية ميتافيزيقية لتفسيرها...
إذًا هل الإنسان مُسيّر أم مُخيّر؟
الجواب لا يمكن أن يُختصر باختيار أحد الأمرين ولكن للتبسيط يمكنني القول أنه في رأيي أن الإنسان في حالة عدم وجود ضغوط خارجية هو مسير في اختيار خياراته ومخير في الاختيار بينها..
لذا لا تحكم على قرارات أحدٍ ما في اختيار شيءٍ ما ما لم تعرف خياراته...
دكتور حسن مساء الخير
ReplyDeleteقولا واحدا 100% لا يوجد حرية اختيار لسبب
حرية الاختيار هي القدرة العقلية او الجسدية علي القيام بفعل معين او اتخاذ قرار بمعزل عن قوانين الطبيعة او السببية
ودة مستحيل تطبيقة اذا لا يوجد حرية اختيار