قانون ازدراء الأديان.. سيف على رقبة الأديان...

 


كُتبت في: 23/10/2020

الازدراء لغةً يعني الاحتقار والاستخفاف والتسفيه، أما عندما تضيف إليه كلمة الأديان يصبح مصطلحًا يدعى "ازدراء الأديان" أو نوعًا ما كما تحاول بعض الجهات تمريره على أنه "تشويه لصورة الدين" Defamation of religion، وحسب كل جهة تسعى إليه فهو الحل الأمثل لإخراس كل من يتطاول على دين هذه الجهة وبه تستطيع أن تلقمه حجرًا، وعندما تسأل هذا الجهة ما هو ازدراء الأديان وما الذي يجب منعه بموجبه تجد الجواب: يجب منع التطاول على الدين ونصوصه وأحكامه وشخصياته ومقدساته وتجريم من يفعل أي من هذا أو يحاول التشكيك بصحته أو منع معتنقيه من ممارسة أي طقس من طقوسه أو القول بوجود خلل فيه مهما كان.. بالتفكير قليلًا بما سبق نجد أن مشروع هذا القانون ليس بجديد بل ببساطة هو عصرنة مضحكة لما يسمى بقانون التجديف Blasphemy law والذي كان يستخدم لإنهاء أي متطاول أو ناقد أو حتى مناقش لدين ما بتهمة التجديف...

في البداية فإن محاولة تمرير قانون ازدراء الأديان في الأمم المتحدة لإدراجه ضمن شرعة حقوق الإنسان وغيرها من القوانين ليس بجديد فقد تمت عدة مرات منذ عام 1999 برعاية منظمات معروفة جدًا لكن تم الرفض لاعتبارها محاولة لإصدار قانون تجديف دولي.. المهم أن هذا القانون من الصعب تمريره لما يحمله من مخالفة صريحة لأحد أصول القانون، فالقانون فيه الأصول والفروع ولا يمكن تمرير قانون فرعي يخالف الأصل ومن الأصول المحمية هي حرية التعبير والتي تتضمن حق أي شخص في التعبير عن أفكاره وانتقاد أي فكرة بالطريقة التي يشاء فالأفكار غير مقدسة ولكن حياة الأشخاص وحياة الشخصية هي المقدسة فبإمكانك انتقاد أي فكرة لكنك لا يحق لك انتقاد شخص لشخصه أو الحديث في حياته الشخصية ما لم تكن هذه الشخصية شخصية عامة فعندها يصبح هذا الشخص ممثلًا لمنظومة عامة ويمكن نقد شخصه ولكن مع ذلك لا يمكن التعرض لحياته الشخصية ما لم يكن لها تأثير على ما يمثله وفي هذا تفاصيل كثيرة لسنا في واردها، ولكن وبالرغم من حق الشخص بانتقاد أي فكرة بأي طريقة فهو لا يحق له لا التعرض ولا التمييز ضد معتنقي الفكرة، وهنا لا يمكن القول أن التعرّض للفكرة فيه جرح نفسي لمن يؤمن بها وبالتالي تعرّض له لأنه ببساطة مهما كانت الفكرة سخيفة فهي لها من يعتنقها وإلا لما كان من داعي لانتقادها وإن كنا سنمتنع عن انتقاد كل فكرة لأن ذلك يجرح من يعتنق بها فلن يستطيع أحد الكلام.. ولكن لن أتشعب في هذا الموضوع كثيرًا...

هنالك أيضًا من يعتقد أن هذا القانون قد يمر ضمن صيحة الـPolitical correctness المنتشرة هذه الأيام ولكن هذه أيضًا مقاربة مخطئة لأن جميع ما يطبق حاليًا من هذا القبيل هو فروع لا تخالف الأصل وهو الحرية الشخصية، فكما أن الحرية الشخصية تضمن حرية الاعتقاد لأصحاب الديانات ولو كانوا أقلية لا معنى لها إحصائيًا ضمن مجتمع ما كذلك تضمن لغيرهم حرية اختيار الألقاب والتوجه الجنسي وغيره، وهنا لا يجب الخلط بين أصلين وهما الحرية الشخصية وحرية التعبير، فقانون ازدراء الأديان لا علاقة له بالحرية الشخصية بل بحرية التعبير..

والآن أتوجه إلى السؤال الذي طرحته في الپوست السابق وهو (إذا تم تطبيق قانون ازدراء الأديان فمن هم أكثر من يتضرر نتيجة لهذا التطبيق؟)..
الجواب وببساطة جميع الأديان التبشيرية (كلمة تبشيرية هنا تحفز التفكير بالدين المسيحي على اعتبار أن كلمة تبشير missioning ومبشر missionary ترتبط بالدين المسيحي ولكن حقيقةً الأديان التبشيرية هي الأديان التي تسمح بدخول أفراد جديدة عليها لم يولدوا فيها، منها الأديان التبشيرية الناشطة التي تسعى لهذا عبر التبشير كالإسلام والمسيحية وغيرها ومنها الساكنة التي تسمح لمن يحب بالدخول ولكن لا تسعى لهذا...

الفكرة أن جميع الأديان بلا استثناء تعتبر من يعتنقها على صواب ومن لا يعتنقها إما مخطئ (بدرجات من الخطأ العادي إلى الكفر وما يترتب على هذا الكفر من نتائج) أو بأضعف الأحوال شخصًا ليس مصيبًا. وتتضمن جميعها تعاليم توضح مدى صوابيتها ومدى خطأ الآخرين..

دعوني أقول أن الأديان غير التبشيرية والتي تكتفي بمن يولد ضمنها كبعض المذاهب والأديان الصغيرة والتي تحمل شعار (لا تسبني ولا بسبك خليني بربي وخليك بربك) لن تتأثر بقانون ازدراء الأديان لأنها في الأساس لن يؤثر عليها إجبارها على عدم ازدراء غيرها فهي تعتمد على الـOrganic reach كما في لغة الفيسبوك ولا يهمها نقاش أحد وإظهار خطئه فهي لن تضمه حتى إذا اقتنع أو رغب.. وهذه الأديان والمذاهب هي أديان ستنقرض بسهولة والسبب أنه في جو التطور التقني والاجتماعي والعلمي أصبحت فكرة الأديان قديمة ولن تستطيع مقاومة المد الفكري التحرري ما لم تحقق شرطين رئيسيين وهما التبشير والشراسة، التبشير لضم أعضاء جدد والشراسة للحفاظ عليهم...

وهنا نعود إلى فكرة قانون ازدراء الأديان وكيف أنه في حال تطبيقه سيكون قاتلًا ومدمرًا لهذه الأديان.. فأغلب الأديان التبشيرية تسفه وتزدري معتقدات بعضها وتسفه الأشخاص الذين يؤمنون بغيرها وحتى بعض الذين يؤمنون بها بطرق مختلفة وتسفه دينهم وتزدري أفكارهم ونصوصهم ومقدساتهم وتمارس هذا الازدراء نصًا وتطبيقًا وهو أمر موجود في كل الديانات ودعونا لا نزاود على بعض كي لا نذكر أمثلة تحرج بعضنا البعض...

المضحك أن المطالبين بهذا القانون من متبعي هذه الديانات لا يرون فيه إلا أنه قانون سيمنع أحد من انتقاد دينهم لأنهم يعتقدون أن تطبيقه عالميًا سيكون كتطبيقه في بعض دولهم كمصر والسعودية والسودان وغيرها حيث أن هذا القانون يطبق لحماية دين الدولة ولو أنهم يطلقون عليه ازدراء الأديان لكنه لا يتفعل إلا إذا هوجم دين الدولة (فكرة وجود دين للدولة مضحكة ولكن مو موضوعنا حاليًا).. لكن لم يفكروا ماذا لو طبقته دول العالم لحماية دين الأكثرية كما يفعلون؟ ستتدمر هذه الأقليات وتسحق.. وحتى لو طبق بشكل عادل ومنصف فببساطة كل هذه الأديان ومعتنقيها سيضطرون للامتناع عن ممارسة سبعين بالمئة من ممارساتهم الدينية وحذف أكثر من نصف نصوصهم وأغلب قادتهم الدينيين سيمنعون من الظهور، وستمنع أي تعابير تكفير أو انتقاد أديان أخرى مهما كانت بسيطة.. ففي العالم لا يوجد دين واحد للأغلبية كما في بعض الدول ولا يوجد ما يسمى بالأديان السماوية حتى، فالسيخية والبوذية وغيرها لا تقل عن المسيحية والإسلام وسيتوجب عليك احترام آلهة غيرك ولو كانت حجر أو شخص أو حيوان (تخيل عزيزي المؤمن ما أصعب هالحكي) حتى قراءتك لكثير من نصوصك الدينية على العلن سيكون جريمة يحاسب عليها القانون الدولي...
عزيزي المتدين الذي يطالب بقانون "ازدراء الأديان" وحياة كل آلهتكم إذا اتطبق رح تاكلوها.. وبنذكر بعض...

Comments

أكثر المقالات قراءة:

قراءة في "معجزة خلق الجنين" ما بين السردية الإسلامية وكتاب غالين

أصل الحياة (التولد الذاتي)، ودراسة جديدة لردم جزء من هذه الفجوة

الفرق بين الحجة والادعاء والدليل، وما هي أنواع الدليل

هل يمكن نفي ما لا دليل عليه؟ إثبات الادعاء السلبي المبهم Proving a Negative

ما بين رهان باسكال ورهان أوريليوس يتم التفريق بين التاجر والإنسان.. بين الإيمان والأخلاق