عن الأمل ومواصلة الحياة، هل هما هبة سماوية أم سمة تطورية؟ سؤال تجيبنا عنه الجرذان
كُتبت في: 07/05/2021
"جميعنا نحتاج سببًا كي نتابع السباحة"
الكثيرون يربطون بين المشاعر والأخلاق والقيم الإنسانية وبين ما يسمى بالمثل المطلقة والقوى الماورائية.. ويذهبون في ربطهم إلى الاعتقاد أن عدم اقتناعك بوجود ماورائيات يحتم عليك عدم امتلاك ما سبق من أخلاق ومشاعر وقيم إنسانية..
سؤالٌ طُرح علي على الـClubhouse؛ من أعطاك الأمل وما مصدر الأمل وإن لم تكن تؤمن بغائية وجود البشر لهدف إذًا لماذا تعيش ولماذا تأمل بالغد؟
الجواب حول الأمل قدمه لنا الجرذان..
يتشارك الإنسان مع غيره من الحيوانات الكثيييير من الصفات منها الجيني ومنها السلوكي ومنها النفسي، التشابه الجيني والاجتماعي والسلوكي سبق وتحدثت عنه من ناحية تشابه الأنماط الاجتماعية وبعض المنظومات الأخلاقية بين الإنسان وبعض الحيوانات.. وموضوع الذكاء كذكاء والتشابه مع بعض الحيوانات باختلاف الدرجة سواءاً من ناحية تطور الجهاز العصبي أو طريقة استخدام هالذكاء كذلك تطرقنا له..
أما الموضوع اللطيف حالياً فهوي موضوع المشاعر والإدراك النفسي، فالإنسان يتميز عن الحيوانات الأخرى بما أسميه الوعي الوجودي والإدراك التحليلي المتقدم؛ لكن الحيوانات ممكن أن تتقارب مع الإنسان بموضوع الإدراك النفسي وتعاملها مع بعض العواطف والأمور النفسية بشكل أقل تطوراً وأكثر غريزيةً لكن هذا لا يقلل من تعقيدها وإثارتها..
مثلًا هل تتخيلون أنو الحيوانات تمتلك مفهوم الأمل واليأس وأنه من الممكن أن يكون للأمل تأثيرٌ على الجرذان أكثر مما له على الإنسان!
في تجربة للعالم Curt Richter بسنة 1957 بعنوان On the phenomenon of sudden death in animals and man نشرتها مجلة Psychosom. Med عن موضع علم النفس الإيجابي Positive Psychology أحضر Richter مجموعة من الجرذان المدجّنة (12 جرذ تمت تربيتها في أقفاص في المخبر) ووضع كل جرذ في وعاء زجاجي فيه ماء بحيث أنو الوعاء أملس ولا يمكن للجرذ أن يتسلقه ومن ثم قام بحساب الوقت الذي يتابع فيه الجرذ السباحة قبل أن يغرق ويموت؛ كانت النتيجة أن جرذين ماتا بعد عدة دقائق بينما العشرة البقية استمروا في السباحة لأيام (40-60 ساعة) قبل أن يغرقوا من التعب.
كررالتجربة بأن أحضر34 جرذ بري تم صيدهم حديثًا ووضعهم في نفس الأنابيب وكرر التجربة فكان متوسط الوقت حوالي الربع ساعة فقط قبل أن تستسلم وتموت. كرر التجربة على الجرذان البرية بأن يمسك الجرذ البري قليلًا ثم يتركه ويضعه في الماء وفي اللحظة التي يستسلم فيها يخرجه من الماء قبل أن يغرق ويموت ويتركه ليرتاح. كرر هذه العملية مع أكثر من جرذ ومن ثم وضعها في الماء وتركها تسبح دون أن يخرجها وحسب وقت السباحة قبل أن تغرق وتموت، وكانت النتيجة أن متوسط الوقت الذي استغرقته في السباحة كان مساويًا للوقت الذي استغرقته الجرذان المدجنة أي حوالي 40-60 ساعة!!
فسر Richter الموضوع بأن الجرذان المدجنة تعاملت مع الموضوع بروية وبدون توتر وحاولت أن تجد مخرج لها من الحالة وماتت من التعب، بينما البرية كانت عصبية ومتوترة جدَا ويائسة بحكم أنه قد تم صيدها حديثًا وفشلت محاولاتها للهرب من القفص أي أنها كانت يائسة وقت إدخالها في التجربة واستسلمت وماتت... ولكن عندما تم إنقاذها من الغرق في لحظة يأسها شعرت بنوع من الأمل وأنه يمكن لها أن تنجوا لذا عندما تم إحضاعها للتجربة لم تيأس مباشرةً بل تعاملت مع الموضوع بروية واستمرت في السباحة حتى غرقت من التعب...
تخيل يا عزيزي كيف أن مجرد شعورهم بالأمل بسبب إنقاذهم أول مرة وشعورهم أن هنالك مخرج من هذه الورطة قلل التوتر وزاد مدة محاولتهم للنجاة من 15 دقيقة لـ60 ساعة!!
إذًا فالأمل سمة لا يتميز بها الإنسان كهبة سماوية ولا علاقة له بالإنسان بل هي سمة تطورية انتقلت لنا عبر الأسلاف لأن الناجين منهم كانوا متمسكين بالأمل أما اليائسون فكان من السهل سقوطهم وبالتالي عدم تمرير جيناتهم...
إذًا لماذا نستمر في الحياة؟ ولما يجب أن نحتفظ بالأمل؟ لأن الحياة فرصة لم نختارها ولا نملك غيرها فمن الجيد أن نتمسك بها وأن نتأمل بأن لأي مأزق نقع فيه مخرج ما وأن الخطوة الأولى للوصول إليه تكمن في الأمل والاستمرار، وخروجنا من المأزق يعني أن نظرتنا لهذه التجربة قد تختلف وأننا قد نمر في أشياء لم نتخيلها وأن لدينا فرصة أكبر من غيرنا لنقل جيناتنا المتأملة ومعلوماتنا حول كيفية الخروج من المآزق..
وأختم بعبارة من مقال حول هذه الدراسة بعنوان "The Remarkable Power of Hope" بقول فيها الكاتب:
"There are obviously many differences between humans and rats. But one similarity stands out: We all need a reason to keep swimming"
بمعنى: أنه من الواضح أن هنالك اختلافات كثيرة بين البشر والجرذان، ولكن أحد التشابهات التي تظهرها هذه الدراسة هي أننا جميعنا نحتاج سببًا كي نتابع السباحة!
ملحوظة: الدراسة قديمة وحاليًا يوجد دراسات على الكلاب والقطط والمشاعر سأتحدث عنها لاحقًا، كما أنني أتحفظ على الميثودولوجي المتبعة والتي تضمنت موت الجرذان..
حول كاتب الدراسة Curt Richter
مقالات عن هي الدراسة:
Comments
Post a Comment