التطور ونشوء الكون والمثلية.. بفضلكم تعلّم أبناؤنا

 


كُتبت في 19/08/2020


يجب على مجتمعاتنا الناطقة بالعربية والمتدينة أن تبني أمام كل منشأة علمية ثلاث تماثيل: الأول للتطور والثاني لنظريات نشوء الكون والثالث للمثلية؛ وتكتب تحتهم: "بفضلكم تعلّم أبناؤنا"...


من ملاحظتي على مدى سبع سنوات ومناقشتي للكثيرين حول هذه المواضيع وجدت أنه لولا هذه المواضيع الثلاثة ومحاولة نقضها وإثبات خطأها الدائمة، لما تعلم أبناؤنا معنى قراءة الدراسات وتفنيدها وتحديد قويّها وضعيفها ومناقشة الدليل العلمي وفهم قوة المجلة الناشرة وغيرها من أساليب البحث، بل والمضحك أن العديد من الخريجين غير المختصين بهذه المواضيع الثلاثة قرأ دراسات عن هذه المواضيع عشرات أضعاف ما قرأه عن اختصاصه؛ لكن للأسف ليس ليفهم أو يبحث عن الحقيقة بل ليحاول دحضهم وإثبات خطئها متبعًا أسلوب التحيز التوكيدي Confirmation Bias وهو تحديد الجواب مسبقًا ومن ثم البحث عن الدراسات التي تناسب جوابك والفكرة التي تحاول إثباتها مهما كانت هذه الدراسات ضعيفة، وتجاهل كل ما يخالف فكرتك مهما كان قويًا.. 

فهم ببساطة يقبلون الدراسات مهما ضعفت وقدم زمنها إن وافقت فكرتهم لكن بالمقابل يصبحون أفذاذًا في تفنيد أدلتك من قوة الدراسة وشموليتها وقوة المجلة وعمر الدراسة وغيرها إذا خالفت فكرتهم؛ كما أنهم مستعدون لاستخدام كلام أي شخص مهما كان (المهم يكون أجنبي وآخد شهادة) ولو كان كلامه مجرد مقابلة أو مقطع يوتيوب إذا وافقهم، ولكنهم يصبحون أفذاذًا في درجة قوة المرجع إذا كان ضد فكرتهم.. ويصبحون عباقرة منطق إذا قدمت دليلًا ضدهم ومع ذلك يصبحون آلهة مغالطات منطقية عندما يحاولون تقديم فكرتهم...


أشخاص يقبلون كل النظريات والفرضيات دون أن يعرفوا ما هي بمجرد أن تُنشر في مجلات محكمة لأنهم يعرفون أن العلم له فلاتر تمنع طرح أمور خاطئة وانتشارها بشكل واسع وعلى مدى زمني طويل دون أن تُكشف، ولكن يرفضون هذه الأمور الثلاثة ليس لأن الحقيقة تهمهم فهنالك مئات النظريات والفرضيات الأخرى التي لا تزال موضع أخذ ورد ولكن لا تهمهم، لماذا؟ لأنها لا تخالف معتقدهم، أو ما حدا لسه خبرهم أنو بتخالف معتقدهم...


اعمل إحصائية لكل المتعلمين الناطقين بالعربية تجد أكثر من 70% منهم يقول لك أنهم ضد التطور ونظرية نشوء الكون والمثلية وأن العلم أثبت خطأها كلها.. ثم أجري اختبار لهؤلاء تجد أقل من 5% يعرف شيئًا علميًا عن هذه الأمور الثلاثة...


بكل الأحوال لكل المنظرين أقول، نوبل ينتظركم وهنالك عشرات الدول مستعدة لتبني دراساتكم، وأي مجلة علمية مستعدة أن تنشر كلامكم إن كان صحيحًا علميًا ونشرت لغيركم؛ لذا ما رأيكم أن تثبتوا ذلك علميًا بدل الجعجعة السوشال ميدياوية الفارغة، ولكم في الخلقيين واليمينيين الغربيين أسوة حسنة، فأغلبكم يتجرع ما اجتره هؤلاء منذ عشرات السنوات ويترجم مقالاتهم التي تم دحضها باعتراف أغلبهم...

لكن لا بأس فأنا سعيد بهذا، لأنكم إذا قبلتم الصحة العلمية لهذه الأمور الثلاثة فأنا واثق أنه لم يكون لديكم أي محفز لمتابعة العلم فأغلبكم يتابع العلم من باب "اعرف عدوك" وليس للفهم...


هنالك مقولة منسوبة لآينشتاين ولكن سأستخدمها لأن الفكرة معبرة: 

سُئل آينشتاين عن كتاب"100 كاتب ضد أينشتاين" والذي وجه انتقادات لنظرية النسبية، فرد قائلًا: "لماذا 100 شخص؟ إذا كنت مخطئًا شخص واحد سيكفي لإثبات ذلك"..


تابعوا متابعتكم للعلم كعدو ومحاولة فهمه لمحاولة دحضه، فالعلم يحنو حتى على أعدائه...


ملحوظة: هذا النقاش لإيصال هذه الفكرة وليس لنقاش التطور والمثلية ونشوء الكون، واللي حابب يناقش بالتعليقات لا مانع بس يتأكد إني ما رح جاوبو قبل ما "سمعلو" وما رح اقبل منو أي دليل غير مرجعي، لشوف إذا فهمان أساسًا عن شو عم يسأل أو عم يسأل تطبيقًا لما كُتب بالپوست...

Comments

أكثر المقالات قراءة:

قراءة في "معجزة خلق الجنين" ما بين السردية الإسلامية وكتاب غالين

أصل الحياة (التولد الذاتي)، ودراسة جديدة لردم جزء من هذه الفجوة

الفرق بين الحجة والادعاء والدليل، وما هي أنواع الدليل

هل يمكن نفي ما لا دليل عليه؟ إثبات الادعاء السلبي المبهم Proving a Negative

ما بين رهان باسكال ورهان أوريليوس يتم التفريق بين التاجر والإنسان.. بين الإيمان والأخلاق